[ ص: 377 ] وأما  المجاز فاختلف في وقوعه في القرآن ،   والجمهور على الوقوع وأنكره جماعة ، منهم   ابن القاص  من الشافعية ،  وابن خويز منداذ  من المالكية ، وحكي عن   داود الظاهري  وابنه ،  وأبي مسلم الأصبهاني     .  
وشبهتهم أن المتكلم لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا إذا ضاقت به الحقيقة فيستعير ، وهو مستحيل على الله - سبحانه ، وهذا باطل ، ولو وجب خلو القرآن من المجاز لوجب خلوه من التوكيد والحذف ، وتثنية القصص وغيره ، ولو سقط المجاز من القرآن سقط شطر الحسن .  
وقد أفرده بالتصنيف الإمام  أبو محمد بن عبد السلام ،  وجمع فأوعى .  
 [ ص: 378 ] وأما معناه ، فقال  الحاتمي     : معناه طريق القول ، ومأخذه مصدر " جزت مجازا " كما يقال : قمت مقاما . قال   الأصمعي     : كلام العرب إنما هو مثال شبه الوحي .  
وله سببان : أحدهما : الشبه ، ويسمى المجاز اللغوي ، وهو الذي يتكلم فيه الأصولي .  
والثاني : الملابسة ، وهذا هو الذي يتكلم فيه أهل اللسان ؛ ويسمى المجاز العقلي ، وهو أن تسند الكلمة إلى غير ما هي له أصالة بضرب من التأويل ، كسب زيد أباه ، إذا كان سببا فيه . والأول مجاز في المفرد ؛ وهذا مجاز في المركب .  
ومنه قوله - تعالى - :  وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا      ( الأنفال : 2 ) ونسبت الزيادة التي هي فعل الله إلى الآيات لكونها سببا فيها .  
وكذا قوله - تعالى - :  وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم      ( فصلت : 23 ) .  
وقوله : يذبح أبناءهم ( القصص : 4 ) والفاعل غيره ، ونسب الفعل إليه لكونه الآمر به .  
وكقوله :  ينزع عنهما لباسهما      ( الأعراف : 27 ) نسب النزع الذي هو فعل الله إلى إبليس - لعنه الله ؛ لأن سببه أكل الشجرة ، وسبب أكلها وسوسته ومقاسمته إياهما ، إنه لهما لمن الناصحين .  
وقوله - تعالى - :  فما ربحت تجارتهم      ( البقرة : 16 ) جعل التجارة الرابحة . وقوله :  فإذا عزم الأمر      ( محمد : 21 ) لأن الأمر هو المعزوم عليه بدليل :  فإذا عزمت فتوكل على الله      ( آل عمران : 159 ) .  
وقوله :  ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار      ( إبراهيم : 28 ) فنسب الإحلال الذي هو فعل الله إلى أكابرهم ؛ لأن سببه كفرهم ، وسبب كفرهم أمر أكابرهم إياهم بالكفر .  
 [ ص: 379 ] وقوله - تعالى - :  يوما يجعل الولدان شيبا      ( المزمل : 17 ) نسب الفعل إلى الظرف لوقوعه فيه .  
وقوله - تعالى - :  وأخرجت الأرض أثقالها      ( الزلزلة : 2 ) . وقوله :  فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى      ( طه : 117 ) .  
وقد يقال : إن النزع والإحلال يعبر بهما عن فعل ما أوجبهما ؛ فالمجاز إفرادي لا إسنادي .  
وقوله :  يوما يجعل الولدان شيبا      ( المزمل : 17 ) يحتمل معناه : يجعل هوله ، فهو من مجاز الحذف .  
وأما قوله - تعالى - :  في عيشة راضية      ( القارعة : 7 ) فقيل على النسب ، أي ذات رضا ، وقيل : بمعنى مرضية ، وكلاهما مجاز إفراد لا مجاز إسناد ؛ لأن المجاز في لفظ راضية لا في إسنادها ؛ ولكنهم كأنهم قدروا أنهم قالوا : رضيت عيشته ، فقالوا : عيشة راضية .  
وهو على ثلاثة أقسام : ( أحدها ) : ما طرفاه حقيقتان ، نحو : أنبت المطر البقل ، وقوله - تعالى - :  وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا      ( الأنفال : 2 ) وقوله :  وأخرجت الأرض أثقالها      ( الزلزلة : 2 ) . ( والثاني ) : مجازيان نحو :  فما ربحت تجارتهم      ( البقرة : 16 ) ( والثالث ) : ما كان أحد طرفيه مجازا دون الآخر ، كقوله - تعالى - :  تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها      ( إبراهيم : 25 ) وقوله :  حتى تضع الحرب أوزارها      ( محمد : 4 ) . قال بعضهم : ومن شرط هذا المجاز أن يكون للمسند إليه شبه بالمتروك في تعلقه بالعامل .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					