[ ص: 151 ] النوع الثامن والخمسون في بدائع القرآن .  
أفرده بالتصنيف  ابن أبي الإصبع ،  فأورد فيه نحو مائة نوع ، وهي : المجاز ، والاستعارة ، والتشبيه ، والكناية ، والإرداف ، والتمثيل ، والإيجاز ، والاتساع ، والإشارة ، والمساواة ، والبسط ، والإيغال ، والتتميم ، والتكميل والاحتراس ، والاستقصاء ، والتذييل ، والزيادة ، والترديد ، والتكرار ، والتفسير ، والإيضاح ، ونفي الشيء بإيجابه ، والمذهب الكلامي ، والقول بالموجب ، والمناقضة ، والانتقال ، والإسجال ، والتسليم ، والتمكين ، والتوشيح ، والتسهيم ، ورد العجز على الصدر ، وتشابه الأطراف ، ولزوم ما لا يلزم ، والتخيير ، والتسجيع ، والتسريع ، والإبهام - وهو التورية - والاستخدام ، والالتفات ، والاستطراد ، والاطراد ، والانسجام ، والإدماج ، والافتنان ، والاقتدار ، وائتلاف اللفظ مع اللفظ ، وائتلاف اللفظ مع المعنى ، والاستدراك ، والاستثناء ، وتأكيد المدح بما يشبه الذم ، والتخويف ، والتغاير ، والتقسيم ، والتدبيج ، والتنكيت ، والتضمين ، والجناس ، وجمع المؤتلف والمختلف ، وحسن النسق ، وعتاب المرء نفسه ، والعكس ، والعنوان ، والفرائد ، والقسم ، والمبالغة ، والمطابقة ، والمقابلة ، والمواربة ، والمراجعة ، والنزاهة ، والإبداع ، والمقارنة ، وحسن الابتداء ، وحسن الختام ، وحسن التخلص ، والاستطراد .  
فأما المجاز وما بعده إلى الإيضاح ، فقد تقدم بعضها في أنواع مفردة ، وبعضها في نوع الإيجاز والإطناب مع أنواع أخر ؛ كالتعريض ، والاحتباك ، والاكتفاء ، والطرد ، والعكس . وأما نفي الشيء بإيجابه : فقد تقدم في النوع الذي قبل هذا .  
وأما المذهب الكلامي والخمسة بعده ، فستأتي في نوع الجدل مع أنواع أخر مزيدة .  
وأما التمكين والثمانية بعده فستأتي في أنواع الفواصل .  
وأما حسن التخلص والاستطراد فسيأتيان في نوع المناسبات .  
 [ ص: 152 ] وأما حسن الابتداء وبراعة الختام فسيأتيان في نوعي الفواتح والخواتم . وها أنا أورد الباقي مع زوائده ونفائس لا توجد مجموعة في غير هذا الكتاب .  
الإيهام .  
الإيهام : ويدعى التورية : أن يذكر لفظ له معنيان - إما بالاشتراك ، أو التواطؤ ، أو الحقيقة والمجاز - أحدهما قريب والآخر بعيد ، ويقصد البعيد ، ويورى عنه بالقريب ، فيتوهمه السامع من أول وهلة .  
قال   الزمخشري     : لا ترى بابا في البيان أدق ولا ألطف من التورية ، ولا أنفع ولا أعون على تعاطي تأويل المتشابهات في كلام الله ورسوله .  
قال : ومن أمثلتها :  الرحمن على العرش استوى      [ طه : 5 ] ، فإن الاستواء على معنيين : الاستقرار في المكان ؛ وهو المعنى القريب المورى به الذي هو غير مقصود ، لتنزيهه تعالى عنه . والثاني : الاستيلاء والملك ؛ وهو المعنى البعيد المقصود الذي ورى عنه بالقريب المذكور . انتهى .  
وهذه التورية تسمى مجردة ؛ لأنها لم يذكر فيها شيء من لوازم المورى به ولا المورى عنه .  
ومنها : ما تسمى مرشحة ، وهي التي ذكر فيها شيء من لوازم هذا أو هذا كقوله تعالى :  والسماء بنيناها بأيد      [ الذاريات : 47 ] ، فإنه يحتمل الجارحة ؛ وهو المورى به ، وقد ذكر من لوازمه على جهة الترشيح البنيان ، ويحتمل القوة والقدرة ؛ وهو البعيد المقصود .  
قال  ابن أبي الإصبع  في كتابه " الإعجاز " : ومنها :  قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم      [ يوسف : 95 ] ، فالضلال يحتمل الحب ، وضد الهدى ، فاستعمل أولاد  يعقوب   ضد الهدى تورية عن الحب .  فاليوم ننجيك ببدنك      [ يونس : 92 ] ، على تفسيره بالدرع ، فإن البدن يطلق عليه وعلى الجسد ، والمراد البعيد ؛ وهو الجسد .  
قال : ومن ذلك قوله عند ذكر أهل الكتاب من  اليهود   والنصارى   حيث قال :      [ ص: 153 ] ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم      [ البقرة : 145 ] ، ولما كان الخطاب  لموسى   من الجانب الغربي ، وتوجهت إليه  اليهود   ، وتوجهت  النصارى   إلى المشرق ، كانت قبلة الإسلام وسطا بين القبلتين ، قال تعالى :  وكذلك جعلناكم أمة وسطا      [ البقرة : 143 ] ؛ أي : خيارا ، وظاهر اللفظ يوهم التوسط مع ما يعضده من توسط قبلة المسلمين ، صدق على لفظة ( وسط ) هاهنا أن يسمي تعالى به لاحتمالها المعنيين ، ولما كان المراد أبعدهما - وهو الخيار - صلحت أن تكون من أمثلة التورية .  
قلت : وهي مرشحة بلازم المورى عنه ، وهو قوله :  لتكونوا شهداء على الناس      [ البقرة : 143 ] ، فإنه من لوازم كونهم خيارا ؛ أي : عدولا ، والإتيان قبلها من قسم المجردة . ومن ذلك قوله :  والنجم والشجر يسجدان      [ الرحمن : 6 ] ، فإن النجم يطلق على الكوكب ، ويرشحه له ذكر الشمس والقمر ، وعلى ما لا ساق له من النبات ، وهو المعنى البعيد له ، وهو المقصود في الآية .  
ونقلت من خط شيخ الإسلام  ابن حجر  أن من التورية في القرآن قوله تعالى :  وما أرسلناك إلا كافة للناس      [ سبإ : 28 ] ، فإن ( كافة ) بمعنى ( مانع ) ؛ أي : تكفهم عن الكفر والمعصية ، والهاء للمبالغة ، وهو معنى بعيد ، والمعنى القريب المتبادر أن المراد ( جامعة ) بمعنى ( جميعا ) ، لكن منع من حمله على ذلك أن التأكيد يتراخى عن المؤكد ، فكما لا تقول : رأيت جميعا الناس ، لا تقول : رأيت كافة الناس .  
الاستخدام : هو والتورية أشرف أنواع البديع ، وهما سيان ، بل فضله بعضهم عليها . ولهم فيه عبارتان :  
إحداهما : أن يؤتى بلفظ له معنيان فأكثر مرادا به أحد معانيه ، ثم يؤتى بضميره مرادا به المعنى الآخر . وهذه طريق  السكاكي  وأتباعه .  
والأخرى أن يؤتى بلفظ مشترك ، ثم بلفظين يفهم من أحدهما أحد المعنيين ومن الآخر الآخر ، وهذه طريقة  بدر الدين بن مالك  في المصباح ، ومشى عليها  ابن أبي الإصبع  ومثل له بقوله تعالى :  لكل أجل كتاب      [ الرعد : 38 ] الآية ، فلفظ ( كتاب ) يحتمل الأمد المحتوم ، والكتاب المكتوب ، فلفظ ( أجل ) يخدم المعنى الأول ، و ( يمحو ) يخدم الثاني .  
ومثل غيره بقوله تعالى :  لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى      [ النساء : 43 ] ، فالصلاة      [ ص: 154 ] تحتمل أن يراد بها فعلها وموضعها ، وقوله :  حتى تعلموا ما تقولون      [ النساء : 43 ] ، يخدم الأول  إلا عابري سبيل      [ النساء : 43 ] ، يخدم الثاني .  
قيل : ولم يقع في القرآن على طريقة  السكاكي     .  
قلت : وقد استخرجت بفكري آيات على طريقته ، منها : قوله تعالى :  أتى أمر الله   فأمر الله يراد به قيام الساعة ، والعذاب ، وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أريد بلفظه الأخير كما أخرج  ابن مردويه  من طريق  الضحاك  عن   ابن عباس  في قوله تعالى :  أتى أمر الله   قال :  محمد      : وأعيد الضمير عليه في :  تستعجلوه      [ النحل : 1 ] ، مرادا به قيام الساعة والعذاب     .  
ومنها - وهي أظهرها - قوله تعالى :  ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين      [ المؤمنون : 12 ] ، فإن المراد به  آدم ،   ثم أعاد عليه الضمير مرادا به ولده ، ثم قال :  ثم جعلناه نطفة في قرار مكين      [ المؤمنون : 13 ] .  
ومنها : قوله تعالى :  لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم      [ المائدة : 101 ] ، ثم قال :  قد سألها قوم من قبلكم      [ المائدة : 102 ] ؛ أي : أشياء أخر; لأن الأولين لم يسألوا عن الأشياء التي سأل عنها الصحابة فنهوا عن سؤالها .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					