[ ص: 443 ] ومن كتاب الرضاع  
أخبرني   محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى ،  أخبرني  الحسن بن أحمد ،  أخبرنا  أحمد بن عبد الله ،  أخبرنا  محمد بن بكر  في كتابه ، حدثنا  أبو داود ،  حدثنا  أحمد بن صالح ،  حدثنا  عنبسة ،  حدثني  يونس ،  عن   ابن شهاب ،  حدثني   عروة بن الزبير ،  عن  عائشة   وأم سلمة     :  أن   أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس  تبنى  سالما  وأنكحه ابنة أخيه  هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة ،  وهو مولى لامرأة من  الأنصار   ، كما تبنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  زيدا ،  وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه ، وورث ماله حتى أنزل الله في ذلك (  ادعوهم لآبائهم      ) إلى قوله (  فإخوانكم في الدين ومواليكم      ) فردوا إلى آبائهم ، فمن لم يعلم أن له أبا كان مولى وأخا في الدين ، فجاءت  سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري  ، وهي  امرأة أبي حذيفة  ، فقالت : يا رسول الله كنا نرى  سالما  ولدا ، وكان يأوي معي ومع  أبي حذيفة  في بيت واحد ، ويراني فضلا ، وقد أنزل الله فيهم ما قد علمت ، فكيف ترى فيه ؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أرضعيه . فأرضعته خمس رضعات  ، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة ، فلذلك كانت  عائشة  تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت  عائشة  أن يراها ويدخل عليها ، وإن كان كبيرا خمس رضعات ، ثم يدخل عليها ، وأبت   أم سلمة  وسائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحدا من الناس حتى يرضع من المهد ، وقلن  لعائشة     : والله ما ندري لعلها كانت رخصة من النبي - صلى الله عليه وسلم -  لسالم  دون الناس .  
 [ ص: 444 ] هذا حديث ثابت من حديث دار الهجرة ، وله عند المدنيين طرق ، ويشتمل على أحكام كثيرة :  
منها عدة أحكام من مفاريد المدنيين .  
وأما  مدة الرضاعة الذي يتعلق بالرضاع فيها التحريم   فاختلف فيها :  
فقالت طائفة : إنها حولان ، وعليها أكثر أئمة الأمة ، روي ذلك عن  عمر  أمير المؤمنين ، وابنه  عبد الله ،   وابن مسعود ،   وابن عباس ،  وإليه ذهب   الشعبي ،   وعبد الله بن شبرمة   والأوزاعي ،   والثوري ،   والشافعي ،  وأصحابه ،  ومالك  في إحدى الروايات عنه ،  وأحمد  وإسحاق ،  وأبو يوسف ،  ومحمد  من أهل الرأي ، واحتجوا في ذلك بقول الله تعالى : (  والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة      ) قالوا : فدل أن مدة الحولين إذا انقضت فقد انقطع حكمها ، ولا عبرة بما زاد بعد تمام المدة .  
وروي عن  مالك  رواية أخرى : إن زاد شهر جاز .  
وروي عنه أيضا : إن زاد شهران جاز .  
وقال  أبو حنيفة     : يحرم الرضاع في ثلاثين شهرا .  
وقال   زفر بن الهذيل     : ثلاث سنين .  
ومذهب  عائشة  أنه يحرم أبدا ، وبه قال   داود بن علي الظاهري     .  
وخالفهما في هذا الحكم كافة أهل العلم ، وأما حديث  عائشة  فقد حمل أصحابنا الأمر في ذلك على أحد وجهين : إما على الخصوص ، وإما على النسخ ، ولم يروا العمل به ، وقد استدل   الشافعي  رضي الله عنه بهذا الحديث على أن  العدد الذي يقع به حرمة الرضاع   هو الخمس ، وإن لم ير العمل بباقي الحديث وذلك سائغ .  
 [ ص: 445 ] قال  الخطابي     : فكأنه يقول : إن الخبر يتضمن أمرين رضاع الكبير ، وتعليق الحكم على الخمس ، فإذا جرى النسخ في أحدهما لمعنى ، لم يوجب نسخ الآخر مع عدم ذلك المعنى .  
وقال بعض أصحابنا ما يدل على أن حديث  عائشة  منسوخ ؛ وذلك أن قصة  سالم  كانت في أوائل الهجرة ؛ لأنها جرت عقيب نزول الآية ، والآية نزلت في أوائل الهجرة ، والحكم الثاني رواه أحداث الصحابة وجماعة تأخر إسلامهم نحو   أبي هريرة ،   وابن عباس ،  وغيرهما ، وهذا ظاهر في النسخ لا خفاء به .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					