[ ص: 459 ] باب في القود بالنار والاختلاف فيه  
الأمر بالحرق بالنار - اختلاف أهل العلم - رأي لبعضهم - دليلهم في الاحتجاج - من قال بالحرق أيضا بالنار - تعقيب  للخطابي     - فيم رخص   الثوري   والشافعي     .  
قرأت على  محمد بن أبي عيسى الحافظ ،  أخبرك  الحسن بن أحمد ،  حدثنا  أحمد بن عبد الله ،  أخبرنا   أبو أحمد العبدي ،  أخبرنا  عبد الله بن محمد ،  أخبرنا  إسحاق بن إبراهيم ،  حدثنا   روح بن عبادة ،  أخبرنا   ابن جريج ،  أن  زيادا  أخبره أن  أبا الزناد  أخبره عن  حنظلة بن علي الأسلمي     : أن  حمزة بن عمرو الأسلمي  أخبره :  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه ورهطا معه في سرية إلى رجل فقال : إن أدركتموه فأحرقوه بالنار . قال : فلما دنونا من القوم إذا بعض رسله في آثارهم ، فقال لهم : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن أدركتموه فاقتلوه ولا تحرقوه بالنار ؛ فإنما يعذب بالنار رب النار     .  
حنظلة بن علي المدني  حسن الحديث ، وقد أخرج   مسلم بن الحجاج  حديثه ، وهذا الحديث يروى عنه من غير وجه ، وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب .  
فذهبت طائفة إلى منع  الإحراق في الحدود   ، وقالوا : يقتل      [ ص: 460 ] بالسيف ، وإليه ذهب  أهل الكوفة ،   وإبراهيم ،   والثوري ،  وأبو حنيفة  وأصحابه ، ومن  الحجازيين   عطاء ،  وتمسكوا بظاهر هذا الحديث وغيره من الأحاديث ، وقالوا : هذا الحديث ظاهر الدلالة في النسخ ، وتشيده أحاديث أخرى في الباب .  
أخبرني  أبو الفضل الأديب  ، حدثنا  سعد بن علي  ، أخبرنا   القاضي أبو الطيب  ، أخبرنا   علي بن عمر الحافظ ،  حدثنا   الحسين بن إسماعيل  ، حدثنا   يعقوب بن إبراهيم  ، حدثنا   إسماعيل بن علية  ، حدثنا  أيوب  ، عن  عكرمة  ،  أن  عليا  حرق ناسا ارتدوا عن الإسلام ، فبلغ   ابن عباس     - رضي الله عنه - فقال : لم أكن لأحرقهم بالنار  إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تعذبوا بعذاب الله  ، وكنت أقتلهم لقوله - صلى الله عليه وسلم - :  من بدل دينه فاقتلوه  قال : فبلغ ذلك  عليا     - رضي الله عنه - فقال : ويح   ابن عباس     .  
هذا حديث ثابت صحيح ، قالوا : واستعجاب علي من كلام   ابن عباس  يدل على أنه لم يكن قد بلغه النسخ ، وحيث بلغه قال به ، ولولا ذلك لأنكر على   ابن عباس  قوله ، وقد ذهبت طائفة في حق المرتد إلى مذهب  علي     - رضي الله عنه - وقالت أيضا طائفة فيمن قتل رجلا بالنار وأحرقه بها : إن القاتل يحرق أيضا بالنار ، وبه قال  مالك  وأهل المدينة ،    والشافعي  وأصحابه ،  وأحمد ،  وإسحاق ،  وروى معنى ذلك عن :   الشعبي ،   وعمر بن عبد العزيز     - رضي الله عنه - .  
أخبرني  محمد بن علي بن أحمد ،  أخبرنا  أحمد بن الحسين  في كتابه ، أخبرنا  الحسن بن أحمد ،  أخبرنا  دعلج ،  أخبرنا  محمد بن علي ،  حدثنا  سعيد ،  حدثني   مغيرة بن عبد الرحمن الخزامي ،  عن  أبي الزناد ،  عن  محمد بن حمزة الأسلمي ،  عن أبيه :  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره على سرية ،      [ ص: 461 ] قال : فخرجت فيها ، فقال : إن وجدتم فلانا فأحرقوه بالنار ، فوليت فناداني ، فرجعت إليه ، فقال : إن وجدتموه فاقتلوه ولا تحرقوه ؛ فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار     .  
قال  الخطابي     : هذا إنما يكره إذا كان الكافر أسيرا قد ظفر به وحصل في الكف ، وقد أباح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تضرم النار على الكفار في الحرب ، وقال  لأسامة     :  أغر على أبنى صباحا وحرق     .  
ورخص   الثوري ،   والشافعي  في أن يرمى أهل الحصون بالنيران ؛ إلا أنه يستحب أن لا يرموا بالنار ما داموا يطاقون ، إلا أن يخافوا من ناحيتهم الغلبة ، فيجوز حينئذ أن يقذفوا بالنار ، والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					