فصل : أقسام المرض  
فإذا ثبت جواز التيمم في المرض مع وجود الماء فالمرض على أربعة أقسام :  
القسم الأول      - أن لا يكون يستضر باستعمال الماء فيه كاليسير من الحمى ووجع الضرس أو نفور الطحال فلا يجوز له أن يتيمم في هذه الحالة ، وقال  مالك   وداود      : يجوز أن يتيمم لعموم قوله تعالى :  وإن كنتم مرضى أو على سفر      [ المائدة : 6 ] لأن الله تعالى أباح التيمم في حالتين من مرض وسفر ، فلما جاز في قليل السفر وكثيره ، جاز في قليل المرض وكثيره ، وهذا خطأ : لأن الله تعالى أباح للمريض أن يتيمم للحوق المشقة والأذى وخوف التلف من استعمال الماء فإذا أمن من الخوف من استعمال الماء ارتفعت الإباحة ، وعاد إلى حكم الأصل في وجوب استعمال الماء : ولأنه واجد للماء لا يستضر من استعماله ، فلم يجز أن يتيمم كالصحيح ، فأما الجواب عن إطلاق الآية فهو إضمار الفروق فيها ، وإضمار الضرورة إنما تكون عند الاستضرار بالماء ، وأما الجواب عن السفر فهو أن التيمم يجوز في كلا الموضعين عند الضرورة إلا أن الضرورة في السفر عدم الماء ، فاستوى حكم طويل السفر وقصيره عند عدم الماء لوجود الضرورة ، والضرورة في المرض حدوث الأذى والاستضرار بالماء فافترق حكم قليله وكثيره .  
فصل : [ القسم الثاني ] :  والقسم الثاني   من المرض أن يخاف التلف من استعمال الماء فيه ، فيجوز له أن يتيمم سواء كان قروحا أو جراحا أو كان غير قروح ولا جراح ، وحكي عن  ابن عمر   وابن عباس   أنه لا يجوز أن يتيمم إلا من القروح والجراح ، وأما ما سواه من شدة الضنا فلا ، وهذا غير صحيح : لعموم قوله تعالى :  وإن كنتم مرضى      [ المائدة : 6 ] ولأنه مريض يخاف من استعمال الماء التلف فجاز له أن يتيمم كالمجروح والمقروح ، فإذا تيمم وصلى فلا إعادة عليه إذا صح وبرأ كالعادم سواء .  
 [ ص: 271 ] فصل : [ القسم الثالث ]  والقسم الثالث   من المرض أن يخاف من استعمال الماء فيه شدة الألم وتطاول البرء ويأمن التلف ، ففي جواز التيمم فيه قولان :  
أحدهما : نص عليه في القديم ،  والبويطي   يجوز له أن يتيمم وبه قال  أبو حنيفة   لعموم قوله تعالى :  وإن كنتم مرضى      [ المائدة : 6 ] ولأنه  مريض يستضر باستعمال الماء   فجاز له أن يتيمم كالذي يخاف التلف ، ولأن رخص المرض تستباح بلحوق المشقة لا لحوق التلف ، كالمريض يفطر ويترك القيام في الصلاة ، فكذلك التيمم ، ولأنه لما جاز للمسافر أن يتيمم إذا بذل له الماء بأكثر من ثمنه لما يقابله من الضرر في ماله ، فلأن يجوز للمريض أن يتيمم لما يلحقه من الضرر في نفسه أولى .  
والقول الثاني : نص عليه هاهنا وفي الأم ليس له أن يتيمم ، ووجهه : أنه قادر على الماء لا يخاف التلف من استعماله فلم يجز أن يتيمم كالذي به صداع أو حمى ، ولأن كل معنى أن يستباح به التيمم ، فهو مشروط لخوف التلف كالعطش والمرض سواء ، فكان أصح ، وذلك أنه إذا خاف العطشان من استعمال ما معه من الماء شدة الضرر جاز أن يتيمم كما لو خاف التلف ، والأول من القولين أصح .  
فصل : [ القسم الرابع ]  والقسم الرابع   من المرض أن يخاف من استعمال الماء فيندر الشين والشلل ويأمن التلف وشدة الألم ، فقد اختلف أصحابنا فيه ، وكان  أبو إسحاق   يخرج جواز التيمم فيه على قولين كالقسم الثالث سواء ، وكان  أبو العباس   ،  وأبو سعيد   يقولان يتيمم قولا واحدا ، بخلاف ما مضى ، لأن ضرر هذا متأبد وضرر ذلك غير متأبد ، وكان  أبو الفياض   يقول يتيمم في الشلل ولا يتيمم في الشين : لأن في الشلل إبطالا للعضو ، وفي الشين قبحه ، فكان الشين ضررا ولم يكن الشلل ضررا .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					