مسألة : قال  الشافعي      - رحمه الله تعالى - : " وكل  ما خرج من المأكول والمشروب والذهب والفضة   فلا بأس ببيع بعضه ببعض تفاضلا إلى أجل ، وإن كان من صنف واحد " .  
قال  الماوردي      : قد تقرر بما تمهد من علتي الربا أن ما عدا المأكول والمشروب والذهب والفضة لا ربا فيه كالصفر والنحاس والثياب والحيوان ، فلا بأس أن يباع الجنس منه بغيره أو بمثله عاجلا وآجلا ، ومتفاضلا ، فيجوز أن يبيع ثوبا بثوبين ، وعبدا بعبدين ، وبعيرا ببعيرين نقدا ونساء .  
وقال  أبو حنيفة      : الجنس يمنع من النساء متفاضلا ومتماثلا ، فلا يجوز بيع الثياب بالثياب نساء ، ولا بيع الحيوان بالحيوان نساء : استدلالا برواية  قتادة   عن  الحسن   عن  سمرة   أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن  بيع الحيوان بالحيوان نسيئة      .  
وروى أبو  الزبير   عن  جابر   أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :    " الحيوان واحد باثنين لا بأس به يدا بيد ولا خير فيه إنساء "     .  
ولأنه بيع جنس فلم يجز دخول النساء فيه كالبر : ولأن الجنس أحد صفتي علة الربا : لأن علة الربا على قول  الشافعي   مطعوم جنس : وعلى قول  أبي حنيفة   مكيل جنس ، وإذا كان الجنس أحد صفتي علة الربا لم يجز دخول النساء فيه كالطعم أو الكيل .  
وتحريره قياسا أن ما كان وصفا في علة الربا كان مانعا من دخول النساء كالكيل .  
والدلالة على خطأ هذا القول ما روي عن  عبد الله بن عمرو   أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يجهز جيشا ففرت الإبل فأمره أن يأخذ من قلاص الصدقة . فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة .  رواه  أبو داود   في سننه .  
وروى  الليث بن سعد   عن  أبي الزبير   عن  جابر   قال :  جاء عبد فبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الهجرة ، ولا يشعر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عبد ، فجاء سيده يريده ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - بعنيه ، فاشتراه بعبدين      [ ص: 101 ] أسودين ، ثم لم يبايع أحدا بعد حتى يسأله أعبد هو ؟  رواه  الشافعي   في الأم . وقد روي جواز ذلك عن  علي   وابن عمر      - رضي الله عنهما - .  
فروي  عن  علي      - رضي الله عنه - أنه باع جملا له يقال له العصيفير بعشرين جملا إلى أجل     .  
وروي  عن  ابن عمر   أنه باع بعيرا بأربعة أبعرة مضمونة بالربذة     . وليس لهما في الصحابة مخالف فكان إجماعا .  
ولأن كل عقد صح اشتراط الخيار فيه ، صح دخول الأجل فيه ، كالجنسين من حيوان وثياب .  
ولأن كل جنس جاز دخول التفاضل فيه جاز دخول الأجل فيه كالثياب المروية بالهروية .  
فإن قيل : " الهروي والمروي " جنسان فلذلك جاز دخول الأجل فيهما قيل : جنسهما واحد . ألا ترى أنه لو باعه ثوبا على أنه هروي فبان أنه مروي ، كان البيع جائزا وله الخيار ، ولو كان من غير جنسه لبطل البيع ، كما لو باعه ثوبا على أنه قطن فبان أنه كتان ، كان البيع باطلا لأنهما جنسان .  
ولأن الربا قد يثبت في الجنس من وجهين : التفاضل ، والأجل .  
فلما كان التفاضل في جنس ما لا ربا فيه جائزا ، وجب أن يكون الأجل في جنس ما لا ربا فيه جائزا .  
وتحرير ذلك قياسا : أنه أحد نوعي الربا فوجب ألا يحرم فيما ليس فيه ربا كالتفاضل .  
وأما الجواب عن خبري سمرة ، وجابر ، فهو أن يحمل النهي على دخول الأجل في كلا العوضين ، وذلك عندنا غير جائز .  
وأما قياسهم على البر بالبر فالمعنى تحريم التفاضل فيه ، فذلك حرم الأجل ، وليس كذلك في مسألتنا .  
وأما استدلالهم بأنه أحد صفتي الربا كالكيل ، فالمعنى في الكيل أنه إذا علق به تحريم الأجل ، اختص ذلك بما فيه الربا ، وإذا علق بالجنس عم ما فيه الربا وما لا ربا فيه ، ولا يجوز أن يسوى بين ما فيه الربا ، وبين ما لا ربا فيه في أحد نوعي الربا . والله أعلم .  
				
						
						
