[ ص: 99 ] قتال أهل البغي  
باب من يجب قتاله من أهل البغي والسيرة فيهم  
مسألة : قال  الشافعي   رحمه الله تعالى :  قال الله تعالى :  وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين       [ الحجرات : 9 ] .  
قال  الماوردي      : هذه الآية هي  أصل ما ورد في قتال أهل البغي   ، واختلف في سبب نزولها على قولين :  
أحدهما : ما حكاه  السدي      : أن رجلا من  الأنصار   كانت له امرأة تدعى  أم زيد  ، أرادت زيارة أهلها فمنعها زوجها ، فاقتتل أهله وأهلها ، حتى نزلت هذه الآية فيهم .  
والثاني : ما حكاه  الكلبي   ومقاتل      : أنها نزلت في رهط  عبد الله بن أبي ابن سلول   من  الخزرج   ، ورهط  عبد الله بن رواحة   من  الأوس      .  
وسببه :  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على  عبد الله بن أبي ابن سلول   راكبا على حمار له ، فراث الحمار ، فأمسك  عبد الله بن أبي ابن سلول   أنفه ، وقال : إليك حمارك . فغضب  عبد الله بن رواحة   ، وقال : لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك ومن أبيك . وتنافروا ، وأعان كل واحد منهما قومه ، فاقتتلوا بالنعال والأيدي ، فنزلت هذه الآية فيهم ، وأصلح رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم     .  
فقال :  وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما      [ الحجرات : 19 ] . يعني : جمعين من المسلمين أخرجهم التنافر إلى القتال فأصلحوا بينهما ، وهذا خطاب ندب إليه كل من قدر على الإصلاح بينهم من الولاة وغير الولاة ، وإن كان بالولاة أخص .  
فإن بغت إحداهما على الأخرى   والبغي : التعدي بالقوة إلى طلب ما ليس بمستحق .      [ ص: 100 ] فقاتلوا التي تبغي   فيه وجهان :  
أحدهما : تبغي بالتعدي في القتال .  
والثاني : تبغي بالعدول عن الصلح .  
وهذا الأمر بالقتال مخاطب به الولاة دون غيرهم .  
حتى تفيء إلى أمر الله   أي : ترجع ، وفيه وجهان :  
أحدهما : حتى ترجع إلى الصلح الذي أمر الله به . قاله  سعيد بن جبير      .  
والثاني : حتى ترجع إلى كتاب الله وسنة رسوله ، قاله  قتادة      .  فإن فاءت   يعني : رجعت عن البغي .  
فأصلحوا بينهما بالعدل    فيه وجهان :  
أحدهما : بالحق .  
والثاني : بكتاب الله .  
وأقسطوا   يعني : اعدلوا ، ويحتمل وجهين :  
أحدهما : اعدلوا في ترك الهوى والممايلة .  
والثاني : في ترك العقوبة والمؤاخذة .  
إن الله يحب المقسطين   يعني العادلين .  
قال  أبو مالك      : في القول والفعل .  
فدلت هذه الآية على بقاء البغاة على إيمانهم .  
ودلت على الابتداء بالصلح قبل قتالهم .  
ودلت على وجوب قتالهم إن أقاموا على بغيهم .  
ودلت على الكف عن القتال بعد رجوعهم .  
ودلت على أن لا تباعة عليهم فيما كان بينهم .  
فهذه خمسة أحكام دلت عليها هذه الآية فيهم .  
قال  الشافعي      : وفيها دلالة على أن كل من وجب عليه حق فمنع منه ، وجب قتاله عليه حتى يؤديه .      [ ص: 101 ] فروى  سلمة بن الأكوع   وأبو هريرة   رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  من حمل علينا السلاح فليس منا     .  
وروى  ابن عباس   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه      .  
وأما  الإجماع الدال على إباحة   قتالهم : فهو منعقد عن فعل إمامين : أحدهما :  أبو بكر   في  قتال مانعي الزكاة      .  
والثاني    :  علي بن أبي طالب   في قتال من خلع طاعته .  
 فأما  أبو بكر   رضي الله عنه فإنه قاتل طائفتين : طائفة ارتدت عن الإسلام مع  مسيلمة   وطليحة   والعنسي   ، فلم يختلف عليه من الصحابة في قتالهم أحد .  
وطائفة أقاموا على الإسلام ومنعوا الزكاة بتأويل اشتبه ، فخالفه أكثر الصحابة في الابتداء ، ثم رجعوا إلى رأيه ، ووافقوه عليه في الانتهاء حين وضح لهم الصواب ، وزالت عنهم الشبهة .  
ونحن نذكر شرحه من بعد مفصلا ، فكان انعقاد الإجماع معه بعد تقدم المخالفة له أوكد .  
وأما  علي بن أبي طالب   رضي الله عنه فإنه شهد بنفسه قتال من بغى عليه ، فأول من قاتل منهم أهل الجمل  بالبصرة   مع  عائشة     .  
وثنى بقتال  أهل  الشام    بصفين مع  معاوية      .  
وثلث بقتال أهل  النهروان   من  الخوارج      .  
فسار في قتالهم سيرة  أبي بكر   في قتال مانعي الزكاة .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					