فصل :  
فإذا تكاملت الشروط المعتبرة في قتالهم ،  لم يبدأ به الإمام حتى يسألهم عن سبب انفرادهم ومباينتهم   ، فإن ذكروا مظلمة أزالها ، وإن ذكروا شبهة كشفها وناظرهم عليها ، حتى يظهر لهم أنه على الحق فيها : لأن الله تعالى أمر بالإصلاح أولا ، وبالقتال أخيرا .  
ولأن  علي بن أبي طالب   أنفذ  ابن عباس   رضي الله عنهما إلى  الخوارج   بالنهروان   ،      [ ص: 103 ] يسألهم عن سبب مباينتهم ويحل شبهة تأويلهم : لتظاهرهم بالعبادة والخشوع وحمل المصاحف في أعناقهم ، فقال لهم  ابن عباس      : هذا  علي بن أبي طالب   ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته ، وقد عرفتم فضله فما تنقمون منه ؟  
قالوا : ننقم منه ثلاثا :  
حكم في دين الله ، وقد أغنى كتاب الله وسنة رسوله عن التحكيم .  
وقتل ولم يسب ، وكان ينبغي له إما أن يقتل ويسبي أو لا يقتل ولا يسبي : لأنه إذا حرمت أموالهم فقد حرمت دماؤهم .  
ومحا اسمه من الخلافة ، فإن كان على حق فلم خلع ، وإن كان على غير حق فلم دخل ؟  
فقال  ابن عباس      : أما قولكم : إنه حكم في دين الله ، فقد حكم الله تعالى في الدين فقال :  وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها      [ النساء : 35 ] .  
وقال تعالى :  يحكم به ذوا عدل منكم      [ المائدة : 65 ] ، فحكم في أرنب قيمته درهم ، فبأن يحكم في هذا الأمر العظيم أولى . فرجعوا عن هذا .  
فقال : وأما قولكم : كيف قتل ولم يسب ؟ فلو حصلت  عائشة  زوج النبي صلى الله عليه وسلم في سهم أحدكم كيف يصنع ؟ وقد قال الله تعالى :  ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا      [ الأحزاب : 53 ] .  
قالوا : رجعنا عن هذه .  
قال : وأما قولكم : إنه محا اسمه من الخلافة حين كتب كتاب التحكيم بينه وبين  معاوية   ، فقد  محا رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه من النبوة حين قاضى  سهيل بن عمرو   عام  الحديبية   ، وقد كتب كتاب القضية بينه وبين  قريش   علي بن أبي طالب   ، فكتب : هذا ما قاضى  محمد   رسول الله  سهيل بن عمرو      . فقال  سهيل      : لا تكتب " رسول الله " ، فلو علمنا أنك رسول الله ما خالفناك ، فاكتب "  محمد بن عبد الله      " .  
فقال النبي صلى الله عليه وسلم  لعلي      : امحه . فقال : لا أستطيع أن أمحو اسمك من النبوة .      [ ص: 104 ] فقال له : أرنيه ، فأراه ، فمحاه بإصبعه     .  
فرجع بعضهم وبقي منهم نحو أربعة آلاف لم يرجعوا ، فعاد إلى  علي بن أبي طالب   فأخبره ، فقال لأصحابه : سيروا على اسم الله تعالى إليهم ، فلن يفلت منهم عشرة ، ولن يقتل منكم عشرة ، فساروا معه إليهم فقتلهم ، وأفلت منهم ثمانية ، وقتل من أصحاب  علي   تسعة ، وقال : اطلبوا لي ذا الثدية .  
فرأوه قتيلا بينهم ، فكبر  علي   ، وقال : الحمد لله الذي صدق وعد رسوله إذ قال لي :  تقاتلك الفئة الباغية فيهم ذو الثدية     . فهذه سيرة  علي بن أبي طالب   فيهم .  
وقد حكي عن  الشافعي   أنه قال : أخذ المسلمون السيرة في قتال المشركين من رسول الله صلى الله عليه وسلم .  
وأخذوا السيرة في قتال المرتدين من  أبي بكر   رضي الله عنه .  
وأخذوا السيرة في قتال البغاة من  علي بن أبي طالب   رضي الله عنه .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					