فصل :  
وأما الضرب الثاني : وهو  إذا لم يحضر مدعي السرقة وكان غائبا عنها ، فإن لم يكن من السارق إقرار ولا قامت بها بينة ، لم يعترض فيها للسارق بقطع ولا غرم   ، ولا يؤخذ بالتهمة في الحكم إلا بما يقوم به أصحاب الريب من زواجر التأديب الذي يتولاه ولاة المعاون دون الحكام . وإن ثبتت السرقة ، فلثبوتها وجهان : بينة ، وإقرار . فإن ثبتت ببينة شهدت عليه بالسرقة ، فالذي نص عليه في السرقة : أنه لا يقطع حتى يحضر الغائب فيدعيها . وقال في الأم : إذا قامت على رجل البينة أنه زنا بها وسيدها غائب ، أنه يحد ولا يوقف على حضور سيدها . فخالف بين قطع السرقة وحد الزنا في الأمة ، فاختلف أصحابنا باختلاف هذين النصين على ثلاثة مذاهب :  
أحدها : وهو قول  أبي العباس بن سريج   ،  وأبي علي بن أبي هريرة   أن الجواب في قطع السرقة وحد الزنا واحد ، يوقفان معا على حضور المسروق منه وحضور سيد الأمة ، فإن ادعيا ذلك قطع السارق وحد الزاني ، وإن أنكراه أو ذكرا شبهة له في الملك أو الفعل لم يقطع السارق ولم يحد الزاني . وزعم قائل هذا الوجه : أن المنقول عن  الشافعي   في حد الزاني بالأمة سهو من ناقله : لأن الحدود تدرأ بالشبهات .  
والمذهب الثاني : هو قول  أبي إسحاق المروزي      : أن الجواب في كل واحد منهما منقول إلى الآخر ، ويكونان على قولين :  
أحدهما : يقطع السارق ويحد الزاني على ما نص عليه في حد الزنا : لما فيها من حقوق الله تعالى التي لا يجوز إضاعتها .  
والقول الثاني : لا يقطع السارق ولا يحد الزاني ، على ما نص عليه في قطع      [ ص: 337 ] السارق : لما تحملهما من الشبهة التي يدرأ بها الحدود .  
والمذهب الثالث : وهو قول  أبي الطيب بن سلمة   ،  وأبي حفص بن الوكيل   أن الجواب على ظاهر نصه فيه ، فيحد الزاني قبل حضور السيد ، ولا يقطع السارق قبل حضور المسروق منه .  
والفرق بينهما من وجهين :  
أحدهما : أن المال يستباح بالإباحة ، والوطء لا يستباح ، وكانت الشبهة في السرقة أقوى .  
والثاني : أن القطع في السرقة تابع لحق الآدمي ، فكان موقوفا على حضوره . وحق الزنا خالص لله تعالى ، فلم يوقف بعد ثبوته على حضور من لا حق له فيه . وإن ثبتت السرقة والزنا بإقرار السارق والزاني ، فقد اختلف أصحابنا على وجهين :  
أحدهما : وهو قول  أبي حامد الإسفراييني   أنه كثبوته بالشهادة . فيكون على ما تقدم من المذاهب الثلاثة : لأن الحدود تستوفى بكل واحد منها .  
والوجه الثاني : وهو قول  أبي علي بن أبي هريرة   والصحيح عندي أنهما يستوفيان فيقطع السارق ويحد الزاني وجها واحدا ، ولا يوقف على حضور السيد والمسروق منه .  
والفرق بين البينة والإقرار   من وجهين :  
أحدهما : قوة الشبهة في الشهادة وضعفها في الإقرار .  
والثاني : أن إقراره على نفسه أقوى من شهادة غيره عليه ، والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					