مسألة : قال  الشافعي   ، رضي الله عنه : " وإن نوى السفر فلا يقصر حتى يفارق المنازل إن كان حضريا ، ويفارق موضعه إن كان بدويا " .  
قال  الماوردي      : وهو كما قال .  
إذا  نوى سفرا يقصر في مثله الصلاة   ، فليس له أن يقصر في بلده بمجرد النية قبل إنشاء السفر ، وهو قول كافة الفقهاء .  
قال  عطاء   ،  والأسود   ،  والحارث بن أبي ربيعة      : إذا نوى السفر جاز له القصر في منزله بمجرد النية . قالوا : لأنه لما صار مقيما بمجرد النية من غير فعل  ، وهذا خطأ .  
والدلالة على فساده قوله تعالى :  وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة      [ النساء : 101 ] .  
فأباح الله تعالى القصر للضارب في الأرض ، والمقيم لا يسمى ضاربا .  
وروى  الشافعي   ، عن  سفيان بن عيينة   ، عن  إبراهيم بن ميسرة   ، عن  أنس بن مالك   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج في حجة الوداع صلى الظهر بالمدينة ، فأتم ، وصلى العصر  بذي الحليفة   فقصر     .  
ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم النية لسفره قبل الزوال ، ثم أتم الظهر لأنه صلاها قبل خروجه .  
ولأنه لما وجب عليه الإتمام إذا دخل بنيان بلده عند قدومه من سفره إجماعا وجب أن لا يجوز له القصر في ابتداء خروجه قبل مفارقة بنيان بلده حجاجا .  
 [ ص: 369 ] ولأن الله تعالى أباح القصر في السفر ، والسفر مشتق من الأسفار ، وهو الخروج عن الوطن ، وقيل : بل سمي سفرا لأنه يسفر عن أخلاق السفر ، والمقيم في بلده وإن خرج عن منزله لا يسمى مسافرا : لأن المقيم قد يخرج من منزله للتصرف في أشغاله ، وإن لم ينو سفرا ، فكذلك إذا  انتقل من أحد طرفي البلد إلى الطرف الآخر   لم يسم مسافرا ، لأنه قد نسب إلى البلد بالمقام في الطرف الذي انتقل إليه كما ينسب إليه بالمقام في الطرف الذي انتقل عنه ، وإذا لم ينطلق اسم السفر عليه قبل مفارقة بلده لم يجز له القصر لعدم الشرط المبيح له .  
فأما ما ذكره من أنه قد يصير مقيما بمجرد النية ، فغلط بل هما متفقان في المعنى ، لأنه لا بد من الإقامة من الفعل مع النية ، وهو اللبث : لأنه لو  كان سائرا ماشيا ، أو راكبا ، أو في سفينة ، ونوى الإقامة   كانت النية لغوا ، وجاز له القصر حتى ينوي الإقامة مع اللبث ، فكذلك في السفر . فإذا تقرر أنه لا يجوز له القصر قبل مفارقة بلده ، فإن كان بلده ذا سور ففارق سوره ، أو لم يكن له سور ففارق آخر بنيانه ، وإن قل جاز له القصر .  
وقال  مجاهد      : إن كان سفره نهارا لم يقصر حتى يدخل الليل ، وإن كان ليلا لم يقصر حتى يدخل النهار ،  والدلالة على فساد هذا القول مع ما تقدم ذكره ، ما روي عن  أيوب بن موسى   ، عن  سعيد بن العاص   أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر الصلاة  بالعقيق   إذا خرج من  المدينة   إلى  مكة   ، ويقصر  بذي طوى   إذا خرج من  مكة   إلى  المدينة      .  
فإذا ثبت جواز  القصر بعد مفارقة البنيان   فلا يخلو حال المسافر من أحد أمرين : إما أن يكون حضريا ، أو بدويا .  
فأما الحضري فإن كان يسكن بلدا ، أو قرية لم يقصر إلا بعد مفارقة بنيانه والخروج ، والفرق بين اتصال البنيان بالعمران وبين اتصاله بالخراب لأن بين جامع  البصرة   ، ومربدها  والعقيق   خرابات دارسة قد غطى سربها وكل من حواه سورها مقيم  بالبصرة   ومنسوب إليها . فإذا خرج من سور البلد جاز له القصر . وإن اتصل سور البلد ببنيان البساتين كمن خرج من البصرة من درب سليمان جاز له القصر ، وإن كانت بنيان البساتين متصلا بالسور ،      [ ص: 370 ] لأن هذه البنيان لم تبن للاستيطان ، وإنما بنيت للانتفاع ، والارتفاق فهي كـ " أرض البساتين " ، وإنما يكون مقيما إذا كان في بنيان يلبث فيه للاستيطان أهل البلد .  
فأما إذا  كان في قرية متصلة بقرية أخرى      . فإن كان بين القريتين انفصال ، ولو كذراع جاز له القصر إذا فارق بنيان قريته ، وإن لم يكن بينهما انفصال ، واتصل بنيان أحدهما بالآخر لم يجز له القصر حتى يفارق منازل القريتين ، لأنهما بالاتصال كالبلد الجامع لقبيلتين .  
فأما أهل البساتين ، ومكان القصور كساكني  دجلة   ،  والبصرة   ، وأنهارها  الذين لا يجمعهم بلد ، ولا تضمهم قرية   ، وإنما يستوطنون قصور البساتين فلهم القصر إذا فارقوا الموضع المعروف بينهم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					