[ ص: 142 ] باب النفير ، من كتاب الجزية والرسالة  
قال  الشافعي   ، رحمه الله : " قال الله تعالى :  إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما   وقال :  لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون   إلى قوله  وكلا وعد الله الحسنى   فلما وعد القاعدين الحسنى دل أن فرض النفير على الكفاية " .  
قال  الماوردي      : وهذا كما ذكر :  جهاد المشركين في بلادهم من فروض الكفاية   إذا قام به المكافئون سقط فرضه عن الباقين ، وهو قول الجمهور .  
وقال  سعيد بن المسيب      : هو من فروض الأعيان ، لا يسع أحدا من أهله أن يتخلف عنه ، احتجاجا بقول الله تعالى :  إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما      [ التوبة : 39 ] . وبقوله :  انفروا خفافا وثقالا      [ التوبة : 41 ] وبقوله :  ما كان لأهل  المدينة   ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه      [ التوبة : 120 ]     .  
والدليل على أن فرضه على الكفاية قول الله تعالى :  فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى      [ النساء : 95 ] . فلما وعد القاعدين بالحسنى دل على أنه لم يتخلف عن فرض .  
وقوله تعالى :  وما كان المؤمنون لينفروا كافة      [ التوبة : 122 ] . ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  كان إذا غزا لم يخرج بجميع المسلمين ويتأخر عنه منهم قوم  ، فلو كان فرضه على الأعيان لخرج جميعهم ، فإن قيل : فقد أنكر الله تعالى على من تأخر عنه في غزوة  تبوك   ، فعنه جوابان :  
أحدهما : أنهم عادوا بعد خروجهم ، فأنكر الله تعالى عليهم عودهم .  
والثاني : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاهم بأعيانهم ، فأنكر عليهم ترك إجابته .  
ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا بنفسه تارة وبسراياه أخرى ، ولو تعين عليه لم يتأخر عنه .  
 [ ص: 143 ] فروى  أبو سعيد الخدري   أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  بعث إلى  بني لحيان      : ليخرج من كل رجلين منكم رجل يكون خلف الخارج في أهله وماله ، وله مثل نصف أجر الخارج     .  
ولأنه لو تعين فرضه لخلت البلاد من أهلها ، وضاعت الذراري ، وتعطلت مواد الزراعة والتجارة ، وهذا فساد يعم : فكان بالمنع أحق .  
فأما الاستدلال بما تقدم فعنه ثلاثة أجوبة :  
أحدها : أنه محمول على تعيين فرضه في أول الإسلام قبل نسخه بما بيناه .  
والثاني : أنه محمول على من دعاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في عينه فتأخر عنه .  
والثالث : أنه مستعمل فيما لم تقع به الكفاية .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					