مسألة : قال  الشافعي      : "  وكان  أهل الكتاب      - المشهور عند العامة - أهل التوراة من  اليهود   والإنجيل من  النصارى    وكانوا من  بني إسرائيل   ، وأحطنا بأن الله تعالى أنزل كتبا من التوراة والإنجيل والفرقان بقوله تعالى :  أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى   ، وقال تعالى  وإنه لفي زبر الأولين   ، فأخبر أن له كتابا سوى هذا المشهور ، قال : فأما قول  أبي يوسف      : لا تؤخذ الجزية من العرب ، فنحن كنا على هذا أحرص ، ولولا أن نأثم بتمني باطل لوددناه كما قال ، وأن لا يجري على عربي صغار ، ولكن الله أجل في أعيننا من أن نحب غير ما حكم الله به تعالى " .  
قال  الماوردي      : وهذا صحيح : إذا ثبت أن الجزية تؤخذ من  أهل الكتاب   دون غيرهم ، فالكتاب المشهور كتابان :  
أحدهما : أن التوراة أنزلت على  موسى   ، ودان بها  اليهود   ، والإنجيل أنزل على  عيسى   ، ودان به  النصارى      .  
قال الله تعالى :  أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا   بالأنعام : 156 ] . فكان  اليهود   والنصارى   أهل كتاب مقطوع بصحته ، فأما غير التوراة والإنجيل من كتب الله المنزلة على أنبيائه ، فقد أخبر الله تعالى بها ، وإن لم يسمها ، ولم يعين من دان بها .  
قال الله تعالى :  لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى      [ النجم : 36 ، 37 ] .  
وقال تعالى :  إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى   ، [ الأعلى : 18 ، 19 ] وقال :  وإنه لفي زبر الأولين   ، [ الشعراء : 196 ] .  
فإن عرفنا من كتب الله تعالى غير التوراة والإنجيل ، وعرفنا من دان بها غير  اليهود   والنصارى   ، فقد اختلف أصحابنا هل يكونون أهل كتاب يقرون عليه بالجزية ، وتنكح نساؤهم ، وتؤكل ذبائحهم  كاليهود   والنصارى   ، أم لا ؟ على وجهين :  
أحدهما : أنهم أهل كتاب يقرون على التدين به ، وتؤخذ جزيتهم ، وتنكح نساؤهم ، وتؤكل ذبائحهم  كاليهود   والنصارى   ، وهو الظاهر من مذهب  الشافعي      .  
وبه قال  أبو إسحاق المروزي      : لأن حرمة الكتاب لنزوله من الله تعالى ، وحرمة  
 [ ص: 288 ] من دان به أنه كان على حق ، فكان كتابهم مساويا للتوراة والإنجيل ، وكانوا هم مساوين  لليهود   والنصارى   ، كما كانت التوراة والإنجيل في أيام  موسى   وعيسى   مساويين للقرآن في نزوله على  محمد      - صلى الله عليه وسلم - وكان  اليهود   والنصارى   في أيامها مساوين للمسلمين ، وليس التفاضل بينهم بمانع من التساوي في الحق .  
والوجه الثاني : أنهم لا يقرون على كتابهم ، ولا تقبل جزيتهم ، ولا تنكح نساؤهم ، فيكونون مخالفين  لليهود   والنصارى   في تمسكهم بالتوراة والإنجيل : لأن الله تعالى لما رفعها بعد نزولها دل على ارتفاع حكمها ، فزوال حرمتها ، ولما بقى التوراة والإنجيل دل على بقاء حكمهما وثبوت حرمتهما ، وإطلاق هذين الجوابين عندي غير صحيح ، فالواجب اعتبار كتابهم ، فإن كان يتضمن تعبدا وأحكاما يكتفي أهله به عن غيره كان كالتوراة والإنجيل في ثبوت حرمته وإقرار أهله .  
وإن لم يتضمن تعبدا وأحكاما ، وكان مشتملا على مواعظ وأمثال يفتقر أهله في التعبد والأحكام إلى غيره كان مخالفا لحرمة التوراة والإنجيل ولم يجز أن يقر أهله عليه .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					