فصل : فإذا ثبت أن  اليمين بغير الله مكروهة ، فهي غير منعقدة   ، ولا يلزم الوفاء بها ، ولا كفارة عليه إن حنث فيها ، وهو كالمتفق عليه ، وهكذا إذا حلف بما يحظره الشرع كقوله :  إن فعلت كذا وكذا فأنا بريء من الله ، أو كافر به ، أو خارج من دين الإسلام ، أو فأنا يهودي ، أو وثني لم تنعقد يمينه ، ولم يلزم بالحنث فيها كفارة   ، وبه قال  مالك   والأوزاعي   ، وجمهور الفقهاء .  
وقال  أبو حنيفة   ، وصاحباه ،  وسفيان الثوري   ،  وأحمد   ،  وإسحاق      : تنعقد يمينه وتلزم الكفارة إن حنث استدلالا بقول الله تعالى :  ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم      [ المائدة : 89 ] ، فكان على عمومه .  
وربما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  من حلف على يمين ، ورأى غيرها خيرا منها ، فليأت الذي هو خير ، وليكفر عن يمينه  ولم يفرق .  
وبما روى  ثابت بن الضحاك   أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :  من حلف بملة غير ملة الإسلام كاذبا ، فهو كما قال ، فإن كان صادقا لم يرجع إلى الإسلام سالما  فجعلها يمينا ، وقد قال الله تعالى :  ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها      [ النحل : 91 ] . فدل على لزومها ؛ ولأن لزوم اليمين بالله لتوكيد حرمتها وحظر مخالفتها ، وهذا المعنى موجود فيما عقده من الكفر بالله تعالى ، والبراءة منه ، ومن الإسلام ، فوجب أن يستويا في اللزوم وفي الكفارة ؛ ولأن البراءة من الله أغلظ مأثما ، وأشد حظرا من الحلف بالله ، فلما انعقدت اليمين ، ولزم التكفير في أحق المأثمين كان لزومها في أغلظهما أولى .  
ودليلنا قول الله تعالى :  وأقسموا بالله جهد أيمانهم   ، [ 11 الأنعام : 109 ] ، . فجعلها غاية الأيمان وأغلظها ، فلم تتغلظ اليمين بغير الله .  
وروى  محمد ابن سيرين   عن  أبي هريرة   قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ، ولا تحلفوا إلا بالله ، ولا تحلفوا بالله ، إلا وأنتم صادقون     .  
وهذا نص .  
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  من  حلف بغير الله فكفارته أن يقول : لا إله إلا الله      .  
وروي أنه قال : " فقد أشرك " ، فدل على سقوط  الكفارة في اليمين بغير الله      : ولأنه حلف بغير الله : فوجب أن لا تلزمه كفارة : كما لو قال : إن فعلت كذا فأنا زان أو شارب خمر أو قاتل نفس ؛ ولأنه حلف بمخلوق يحدث لأن اعتقاد الكفر وبراءته من الإسلام      [ ص: 264 ] محدث ، فوجب أن لا تلزمه كفارة كما لو حلف بالسماء والأرض والملائكة والأنبياء ؛ ولأنه منع نفسه من فعل بأمر محظور ، فوجب أن لا تكون يمينا توجب التكفير ، كما لو قال : إن كلمت زيدا فأنا فاسق ، أو فعلي قتل نفسي أو ولدي .  
فأما الجواب عن عموم الآية والخبر فهو أن إطلاقها محمول على اليمين بالله ؛ لأنها اليمين المعهودة ، في عرف الشرع والاستعمال .  
وأما الجواب عن حديث  ثابت بن الضحاك   مع ضعفه فهو أنه يكون دليلا لنا أشبه من أن يكون دليلا علينا : لأنه لما لم يصر بالحنث خارجا من الإسلام دل على أنه خرج مخرج الزجر كما قال : " من قتل عبدا قتلناه " . جعل الوعيد يوجب يمينه دون الكفارة ولو وجبت لأبانها .  
وأما الجواب عن استدلالهم " توكيد حرمتها ، وحظر مخالفتها " ، فهو أنه لا حرمة لهذه اليمين لحظرها وتحريمها ؛ ولأن الحظر إنما توجه إلى التلفظ بها ، فلم يبق للحظر والتحريم حرمة من الالتزام والتكفير .  
وأما الجواب عن استدلالهم بتغليظ البراءة من الله ، فهو أن البراءة من الله كفر ، ولا يجب بالكفر تكفير كالمرتد ، والله أعلم .  
				
						
						
