باب الوليمة    . 
هي عامة على ما قال   الشافعي  والأصحاب رحمهم الله تعالى ، تقع على كل دعوة تتخذ بسرور حادث ، من نكاح أو ختان أو غيرهما . لكن الأشهر استعمالها عند الإطلاق في النكاح ، وتقيد في غيره ، فيقال : وليمة الختان وغيره ، ويقال لدعوة الختان : إعذار ، ولدعوة الولادة : عقيقة ، ولسلامة المرأة من الطلق : خرس . 
وقيل : الخرس لطعام الولادة ، ولقدوم المسافر : نقيعة ، ولإحداث البناء : وكيرة ، ولما يتخذ للمصيبة : وضيمة ، ولما يتخذ بلا سبب : مأدبة . 
قلت : الإعذار بالعين المهملة ، وبالذال المعجمة . والخرس ، بضم الخاء المعجمة ، وبالسين المهملة ، ويقال : بالصاد . المأدبة ، بضم الدال وفتحها . والوضيمة ، بكسر الضاد المعجمة . 
وقول الأصحاب : النقيعة لقدوم المسافر ، ليس فيه بيان من يتخذها أهو القادم أو المقدوم عليهم ؟ وفيه خلاف لأهل اللغة . فنقل  الأزهري  عن  الفراء  ، أنه القادم . وقال صاحب " المحكم " : هو طعام يصنع للقادم وهو الأظهر . والله أعلم . 
 [ ص: 333 ] وفي وليمة العرس  قولان ، أو وجهان . 
أحدهما : أنها واجبة ، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " أولم ولو بشاة   " وأصحهما : أنها مستحبة كالأضحية وسائر الولائم ، والحديث على الاستحباب ، وقطع القفال بالاستحباب ، وأما سائر الولائم ، فمستحبة ، ليس بواجبة على المذهب وبه قطع الجمهور ، ولا يتأكد تأكد وليمة النكاح . 
قال  المتولي     : وخرج بعضهم في وجوب سائر الولائم قولا ؛ لأن   الشافعي  رحمه الله قال بعد ذكرها : ولا أرخص في تركها . 
فرع 
أقل الوليمة  على ما ذكره  ابن الصباغ  وغيره ، للمتمكن شاة وإن لم يتمكن ، اقتصر على ما يقدر عليه . 
فرع 
وأما الإجابة إلى الدعوة  ، ففي وليمة العرس تجب الإجابة إن أوجبنا الوليمة ، وكذا إن لم نوجبها على الأظهر . وقيل : على الأصح ، صححه العراقيون   والروياني  وغيرهم ، للأحاديث الصحيحة " من دعي إلى وليمة فليأتها   " . 
والثاني : أنها مستحبة . وأما غير وليمة العرس ، فالمذهب أن الإجابة فيها مستحبة . وقيل : بطرد الخلاف في الوجوب . وإذا أوجبنا الإجابة ، فهي فرض عين على الأصح . 
وقيل : فرض كفاية . ثم إنما تجب الإجابة أو تستحب بشروط . منها : أن يعم عشيرته أو جيرانه ، أو أهل حرفته ، أغنياءهم وفقراءهم ، دون ما إذا خص الأغنياء . ومنها : أن يخصه بالدعوة بنفسه ، أو يبعث إليه شخصا . فأما إذا فتح باب داره وقال : ليحضر من أراد ، أو بعث شخصا ليحضر من شاء ، أو قال لشخص : احضر وأحضر   [ ص: 334 ] معك من شئت ، فقال لغيره : احضر ، فلا تجب الإجابة ولا تستحب . ومنها : أن لا يكون إحضاره لخوف منه ، أو طمع في جاهه ، أو ليعاونه على باطل ، بل تكون للتقرب ، أو التودد . 
ومنها ، أن يدعوه مسلم . فإن دعاه ذمي فهل هو كالمسلم أم لا تجب قطعا ؟ طريقان . 
أصحهما : الثاني . ولا يكون الاستحباب في إجابته كالاستحباب في دعوة المسلم ؛ لأنه قد يرغب عن طعامه لنجاسته وتصرفه الفاسد ، وتكره مخالطة الذمي وموادته . ومنها : أن يدعو في اليوم الأول . 
فلو أولم ثلاثة أيام ، فالإجابة في اليوم الثالث مكروهة ، وفي الثاني لا تجب قطعا ، ولا يكون استحبابها كالاستحباب في اليوم الأول . 
فرع 
إذا اعتذر المدعو إلى صاحب الدعوة  ، فرضي بتخلفه ، زال الوجوب وارتفعت كراهة التخلف . 
فرع 
دعاه جماعة  ، أجاب الأسبق ، فإن جاءا معا ، أجاب الأقرب رحما ، ثم الأقرب دارا كالصدقة . ومنها : أن لا يكون هناك من يتأذى بحضوره ، ولا يليق به مجالسته . 
فإن كان ، فهو معذور في التخلف . وأشار في " الوسيط " إلى وجه فيه . ومنها : أن لا يكون هناك منكر كشرب الخمر والملاهي . فإن كان ، نظر ، إن كان الشخص ممن إذا حضر رفع المنكر ، فليحضر إجابة للدعوة وإزالة للمنكر ، وإلا فوجهان . 
أحدهما : الأولى أن لا يحضر ، ويجوز أن يحضر ولا يستمع وينكر بقلبه ، كما لو كان يضرب المنكر في جواره ، فلا يلزمه التحول وإن   [ ص: 335 ] بلغه الصوت ، وعلى هذا جرى العراقيون . 
والثاني وهو الصحيح : يحرم الحضور لأنه كالرضى بالمنكر وإقراره . 
قلت : الوجه الأول غلط ، ولا يثبت عن كل العراقيين ، وإنما قاله بعضهم وهو خطأ ، ولا يغتر بجلالة صاحب " التنبيه " ونحوه ممن ذكره . والله أعلم . 
فإذا قلنا بالثاني ، فلم يعلم حتى حضر ، نهاهم ، فإن لم ينتهوا ، فليخرج . وفي جواز القعود وجهان . 
قلت : أصحهما : التحريم . والله أعلم . 
فإن لم يمكنه الخروج ، بأن كان في الليل ويخاف من الخروج ، قعد كارها ولا يستمع . ولو كانوا يشربون النبيذ المختلف في إباحته ، لم ينكره ؛ لأنه مجتهد فيه . فإن كان حاضره ممن يعتقد تحريمه ، فكالمنكر المجمع على تحريمه . وقيل : لا . 
فرع 
ومن المنكرات  ، فرش الحرير وصور الحيوانات على السقوف والجدران ، والثياب الملبوسة ، والستور المعلقة ، والوسائد الكبار المنصوبة ، ولا بأس بما على الأرض ، والبساط الذي يداس ، والمخاد التي يتكأ عليها ، وليكن في معناها الطبق والخوان ، والقصعة . ولا بأس بصور الأشجار ، والشمس ، والقمر . 
وفي وجه : يكره صورة الشجر . ولو كانت صور الحيوانات مقطوعة الرءوس ، فلا بأس به على الصحيح ، ومنعه  المتولي     . 
وهل دخول البيت الذي فيه الصور الممنوعة  حرام   [ ص: 336 ] أم مكروه ؟ وجهان . 
وبالتحريم قال  الشيخ أبو محمد  ، وبالكراهة قال صاحب " التقريب " والصيدلاني ، ورجحه الإمام   والغزالي  في " الوسيط " . ولو كانت الصورة في الممر دون موضع الجلوس ، فلا بأس بالدخول والجلوس ، ولا يترك إجابة الدعوة بهذا السبب . 
وكذا لا بأس بدخول الحمام الذي على بابه صور ، كذا قاله الأصحاب . 
فرع 
يحرم على المصور التصوير على الحيطان والسقوف  ، ولا يستحق أجرة . وفي نسج الثياب المصورة وجهان ، جوزه  أبو محمد  لأنها قد لا تلبس ، ورجح المنع الإمام   والغزالي  تمسكا بالحديث لعن الله المصورين   . 
قلت : الصحيح التحريم ، والحديث صحيح . والله أعلم . 
وطرد  المتولي  الوجهين في التصوير على الأرض ونحوها ، وكأن من قال بالمنع . قال : ليس له أن يصور ، لكن إن اتفق يسامح به ولا يجب طمسه . 
قلت : الصحيح تحريم التصوير على الأرض وغيرها . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					