الباب الرابع  
في نواقض الوضوء .  
والأصل في هذا الباب قوله تعالى : (  أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء      ) وقوله - عليه الصلاة والسلام - : "  لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ     " واتفقوا في هذا الباب على  انتقاض الوضوء من البول والغائط والريح والمذي والودي   لصحة الآثار في ذلك إذا كان خروجها على وجه الصحة .  
ويتعلق بهذا الباب مما اختلفوا فيه سبع مسائل تجري منه مجرى القواعد لهذا الباب .  
المسألة الأولى  
[ خروج نجس من الجسد ] اختلف علماء الأمصار في انتقاض  الوضوء مما يخرج من الجسد من النجس   على ثلاثة مذاهب :  
 [ ص: 33 ] فاعتبر قوم في ذلك الخارج وحده من أي موضع خرج وعلى أي جهة خرج ، وهم  أبو حنيفة  ، وأصحابه   والثوري  وأحمد  وجماعة ، ولهم من الصحابة السلف فقالوا : كل نجاسة تسيل من الجسد وتخرج منه يجب منها الوضوء كالدم والرعاف الكثير ، والفصد والحجامة والقيء إلا البلغم عند  أبي حنيفة     .  
وقال  أبو يوسف  من أصحاب  أبي حنيفة     : إنه إذا ملأ الفم ففيه الوضوء . ولم يعتبر أحد من هؤلاء اليسير من الدم إلا مجاهد .  
واعتبر قوم آخرون المخرجين الذكر والدبر ، فقالوا : كل ما خرج من هذين السبيلين فهو ناقض للوضوء من أي شيء خرج من دم أو حصا أو بلغم وعلى أي وجه خرج ، كان خروجه على سبيل الصحة أو على سبيل المرض ، وممن قال بهذا القول   الشافعي  وأصحابه  ومحمد بن عبد الحكم  من أصحاب  مالك     .  
واعتبر قوم آخرون الخارج والمخرج وصفة الخروج ، فقالوا : كل ما خرج من السبيلين مما هو معتاد خروجه وهو البول ، والغائط ، والمذي ، والودي ، والريح ، إذا كان خروجه على وجه الصحة فهو ينقض الوضوء ، فلم يروا في الدم والحصاة والدود وضوءا ، ولا في السلس ، وممن قال بهذا القول  مالك  وجل أصحابه .  
والسبب في اختلافهم أنه لما أجمع المسلمون على انتقاض الوضوء بما يخرج من السبيلين من غائط وبول وريح ومذي لظاهر الكتاب ، ولتظاهر الآثار بذلك . تطرق إلى ذلك ثلاث احتمالات : أحدها أن يكون الحكم إنما علق بأعيان هذه الأشياء فقط ، المتفق عليها على ما رآه  مالك  ، رحمه الله .  
الاحتمال الثاني : أن يكون الحكم إنما علق بهذه من جهة أنها أنجاس خارجة من البدن لكون الوضوء طهارة ، والطهارة إنما يؤثر فيها النجس .  
والاحتمال الثالث أن يكون الحكم أيضا إنما علق بها من جهة أنها خارجة من هذين السبيلين ، فيكون على هذين القولين الأخيرين ورود الأمر بالوضوء من تلك الأحداث المجمع عليها إنما هو من باب الخاص أريد به العام ، ويكون عند  مالك  وأصحابه إنما هو من باب الخاص المحمول على خصوصه ;  فالشافعي  وأبو حنيفة  اتفقا على أن الأمر بها هو من باب الخاص أريد به العام ، واختلفا أي عام هو الذي قصد به ؟  فمالك  يرجح مذهبه بأن الأصل هو أن يحمل الخاص على خصوصه حتى يدل الدليل على غير ذلك ،   والشافعي  محتج بأن المراد به المخرج لا الخارج باتفاقهم على إيجاب الوضوء من الريح الذي يخرج من أسفل ، وعدم إيجاب الوضوء منه إذا خرج من فوق وكلاهما ذات واحدة ، والفرق بينهما اختلاف المخرجين ، فكان هذا تنبيها على أن الحكم للمخرج وهو ضعيف ; لأن الريحين مختلفان في الصفة والرائحة ،  وأبو حنيفة  يحتج بأن المقصود بذلك هو الخارج النجس لكون النجاسة مؤثرة في الطهارة ، وهذه الطهارة وإن كانت طهارة حكمية فإن فيها شبها من الطهارة المعنوية ( أعني : طهارة النجس ) وبحديث   ثوبان     "  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاء فتوضأ     " وبما روي عن  عمر   وابن عمر  رضي الله عنهما من إيجابهما الوضوء من الرعاف وبما روي من أمره - صلى الله عليه وسلم - المستحاضة بالوضوء لكل صلاة ، فكان المفهوم من هذا كله عند  أبي حنيفة  الخارج النجس .  
 [ ص: 34 ] وإنما اتفق   الشافعي  وأبو حنيفة  على إيجاب الوضوء من الأحداث المتفق عليها وإن خرجت على جهة المرض لأمره - صلى الله عليه وسلم - بالوضوء عند كل صلاة للمستحاضة ، والاستحاضة مرض .  
وأما  مالك  فرأى أن المرض له ههنا تأثير في الرخصة قياسا على ما روي أيضا من أن المستحاضة لم تؤمر إلا بالغسل فقط ، وذلك أن حديث  فاطمة بنت أبي حبيش  هذا هو متفق على صحته ، ومختلف في هذه الزيادة فيه ( أعني الأمر بالوضوء لكل صلاة ) ولكن صححها   أبو عمر بن عبد البر  ، قياسا على من يغلبه الدم من جرح ولا ينقطع ، مثل ما روي  أن  عمر     - رضي الله عنه - صلى وجرحه يثعب دما     .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					