المسألة السابعة  
[ المستحاضة ]  
اختلف الفقهاء في المستحاضة إذا تمادى بها الدم متى يكون حكمها حكم الحائض ، كما اختلفوا في  الحائض إذا تمادى بها الدم متى يكون حكمها حكم المستحاضة   ، وقد تقدم ذلك .  
فقال  مالك  في المستحاضة أبدا : حكمها حكم الطاهرة إلى أن يتغير الدم إلى صفة الحيض ، وذلك إذا مضى لاستحاضتها من الأيام ما هو أكثر من أقل أيام الطهر ، فحينئذ تكون حائضا ( أعني : إذا اجتمع لها هذان الشيئان تغير الدم وأن يمر لها في الاستحاضة من الأيام ما يمكن أن يكون طهرا ، وإلا فهي مستحاضة أبدا ) . وقال  أبو حنيفة     : تقعد أيام عادتها إن كانت لها عادة ، وإن كانت مبتدأة قعدت أكثر الحيض ، وذلك عنده عشرة أيام .  
وقال   الشافعي     : تعمل على التمييز إن كانت من أهل التمييز ، وإن كانت من أهل العادة عملت على العادة ، وإن كانت من أهلهما معا فله في ذلك قولان ، أحدهما : تعمل على التمييز ، والثاني : على العادة .  
والسبب في اختلافهم : أن في ذلك حديثين مختلفين ، أحدهما : حديث  عائشة  عن  فاطمة بنت أبي حبيش     "  أن النبي - عليه الصلاة والسلام - أمرها - وكانت مستحاضة - أن تدع الصلاة قدر أيامها التي كانت تحيض فيها قبل أن يصيبها الذي أصابها ، ثم تغتسل وتصلي     " وفي معناه أيضا حديث   أم سلمة  المتقدم الذي خرجه  مالك  ، والحديث الثاني : ما خرجه  أبو داود  من حديث  فاطمة بنت أبي حبيش  أنها كانت استحيضت ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "  إن دم الحيضة أسود يعرف ، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة ، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق     " ، وهذا الحديث صححه   أبو محمد بن حزم  ، فمن هؤلاء من ذهب مذهب الترجيح ، ومنهم من ذهب مذهب الجمع .  
 [ ص: 51 ] فمن ذهب مذهب ترجيح حديث   أم سلمة  وما ورد في معناه قال باعتبار الأيام ،  ومالك     - رضي الله عنه - اعتبر عدد الأيام فقط في الحائض التي تشك في الاستحاضة ، ولم يعتبرها في المستحاضة التي تشك في الحيض ( أعني : لا عددها ولا موضعها من الشهر إذا كان عندها ذلك معلوما ) والنص إنما جاء في المستحاضة التي تشك في الحيض ، فاعتبر الحكم في الفرع ولم يعتبره في الأصل ، وهذا غريب فتأمله .  
ومن رجح حديث  فاطمة بنت أبي حبيش  قال باعتبار اللون ، ومن هؤلاء من راعى مع اعتبار لون الدم مضي ما يمكن أن يكون طهرا من أيام الاستحاضة ، وهو قول  مالك  فيما حكاه عبد الوهاب .  
ومنهم من لم يراع ذلك ، ومن جمع بين الحديثين قال : الحديث الأول هو في التي تعرف عدد أيامها من الشهر وموضعها .  
والثاني في التي لا تعرف عددها ولا موضعها ، وتعرف لون الدم ، ومنهم من رأى أنها إن لم تكن من أهل التمييز ، ولا تعرف موضع أيامها من الشهر ، وتعرف عددها أو لا تعرف عددها أنها تتحرى على حديث  حمنة بنت جحش  ، صححه  الترمذي  ، وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها : "  إنما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ، ثم اغتسلي     " وسيأتي الحديث بكماله عند حكم المستحاضة في الطهر .  
فهذه هي مشهورات المسائل التي في هذا الباب ، وهي بالجملة واقعة في أربعة مواضع : أحدها : معرفة انتقال الطهر إلى الحيض ، والثاني : معرفة انتقال الحيض إلى الطهر ، والثالث : معرفة انتقال الحيض إلى الاستحاضة ، والرابع : معرفة انتقال الاستحاضة إلى الحيض ، وهو الذي وردت فيه الأحاديث ، وأما الثلاثة فمسكوت عنها ( أعني : عن تحديدها ) وكذلك الأمر في انتقال النفاس إلى الاستحاضة .  
				
						
						
