62 - فصل  
وأما  شراء أرض الخراج      .  
فقال  أبو عبيد     : حدثني  أبو نعيم  ، حدثنا  بكير بن عامر  عن   الشعبي  قال : اشترى  عتبة بن فرقد  أرضا على شاطئ  الفرات   ليتخذ فيها قضبا فذكر ذلك  لعمر  فقال ممن اشتريتها ؟ فقال من أربابها فلما اجتمع المهاجرون والأنصار عند  عمر  قال : هؤلاء أهلها فهل اشتريت منهم شيئا ؟ قال : لا ، قال : فارددها على من اشتريتها منه وخذ مالك     .  
 [ ص: 299 ] وحدثنا  أبو نعيم  عن   سعيد بن سنان  عن  عنترة  قال : سمعت  عليا  يقول إياي وهذا السواد     .  
وقال  أحمد     : حدثنا   وكيع  عن  شريك  عن  الشيباني  عن  عكرمة  عن   ابن عباس  رضي الله عنهما أنه كره شراء أرض أهل الذمة     .  
وإنما كره الصحابة ذلك ; لأنه يدخل في التزامه الخراج وهو نوع من الصغار حتى كره   ابن عباس  قبالتها .  
لذلك قال  أبو عبيد     : حدثنا  حجاج  عن  شعبة  عن   حبيب بن أبي ثابت  قال : تبعنا   ابن عباس  فسأله رجل فقال : إني أكون بهذا السواد فأتقبل      [ ص: 300 ] ولست أريد أن أزداد ، ولكني أدفع عني الضيم ، فقرأ عليه   ابن عباس     :  قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون   ، فقال : لا تنزعوه من أعناقهم وتجعلوه في أعناقكم     .  
قال  أبو عبيد     : وحدثنا  أبو معاوية  ويزيد  عن  الحجاج  عن   القاسم بن عبد الرحمن     - قال  يزيد     : عن أبيه - : أن   ابن مسعود  اشترى من  دهقان  أرضا على أن يكفيه جزيتها     .  
 [ ص: 301 ] قال  أبو عبيد  وفي غير حديث  حجاج  عن  القاسم  عن  عبد الله  قال : من أقر بالطسق فقد أقر بالذل والصغار     .  
 [ ص: 302 ] قال  أبو عبيد     : أراه يعني بالشراء هاهنا الاكتراء ، لأنه لا يكون مشتريا والجزية على البائع وقد خرجت الأرض من ملكه .  
قال : وقد جاء مثله في حديث آخر : حدثني  ابن بكير  عن   الليث بن سعد  عن   عبيد الله بن أبي جعفر  عن  القرظي  قال : ليس بشراء أرض الجزية بأس     .  
يريد كراءها قال ذلك  أبو الزناد     .  
 فابن مسعود  اكترى أرض  الدهقان  منه على أن يكفيه  الدهقان  جزيتها ، فلا يكون ملتزما للصغار وهذا قد يستدل به من يقول : الخراج على المستأجر ، وإلا لم يكن للاشتراط على المؤجر معنى ، وهو عليه بدون هذا الشرط ويجاب عنه بأنه شرط لمقتضى العقد فهذا تأكيد له وتقرير .  
وقال   قبيصة بن ذؤيب     : من أخذ أرضا بجزيتها فقد باء بما باء به أهل الكتابين من الذل والصغار     .  
 [ ص: 303 ] وقال  مسلم بن مشكم     : من عقد الجزية في عنقه فقد برئ مما عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -     .  
وقال   عبد الله بن عمرو     : ألا أخبركم بالراجع على عقبيه ؟ رجل أسلم فحسن إسلامه ، وهاجر فحسنت هجرته ، وجاهد فحسن جهاده ، فلما قفل حمل أرضا بجزيتها ، فذلك الراجع على عقبيه     .  
وسئل   عبد الله بن عمرو  فقيل له : أحدنا يأتي النبطي فيحمل أرضه بجزيتها ، فقال : أتبدءون بالصغار وتعطون أفضل مما تأخذون     .  
وقال   ميمون بن مهران     : ما يسرني أن لي ما بين  الرها   إلى      [ ص: 304 ] حران   بخراج خمسة دراهم     .  
قال  أبو عبيد     : فقد تتابعت الآثار بكراهة شراء أرض الخراج ، وإنما كرهها الكارهون من جهتين .  
إحداهما : أنها فيء للمسلمين .  
والأخرى : أن الخراج صغار وكلاهما داخل في حديثي  عمر  اللذين ذكرناهما ؛ أحدهما قوله : " ولا يقرن أحدكم بالصغار بعد إذ نجاه الله منه     " ووافقه على ذلك   ابن مسعود   وابن عباس  وعبد الله بن عمرو   وقبيصة بن ذؤيب   وميمون بن مهران  ومسلم بن مشكم  في هذه الأحاديث التي ذكرناها .  
ومذهبه في الفيء قوله  لعتبة بن فرقد  حين اشترى الأرض : "  هؤلاء أهلها     " - يعني  المهاجرين   والأنصار      - ووافقه على ذلك   علي بن أبي طالب  رضي الله عنه ، فقال  علي  لدهقان  أسلم على عهده : أما أنت فلا جزية      [ ص: 305 ] عليك وأما أرضك فلنا .  
قلت : قوله : " لا جزية عليك " يريد قد سقط عنك خراج رأسك وهو الجزية بإسلامك ، وهذا يدل على أن الإسلام لا يسقط  الخراج المضروب على الأرض   فإن شاء المسلم أن يقيم بها أقام بها ، وإن شاء نزل عنها فسلمها إلى ذمي بالخراج ، فإذا كانت الأرض خراجية ثم أسلم أقرت في يده بالخراج ، وهو إجارة حكمها حكم سائر الإجارات .  
والخراج وإن شارك الإجارة في شيء فبينهما فروق عديدة :  
منها : أن الإجارة مؤقتة والخراج غير مؤقت .  
ومنها : أنه لا يكره استئجار المسلم لأرض الفيء ويكره دخوله فيها بالخراج كما فعل   ابن مسعود     .  
قال  أبو عبيد     : وأخبرني   يحيى بن بكير  عن   مالك بن أنس     : أن رأيه      [ ص: 306 ] كان هذا ، قال : كل أرض افتتحت عنوة فهي فيء للمسلمين     .  
وأخبرني هو أو غيره عن  مالك  أنه كان ينكر على   الليث بن سعد  دخوله فيما دخل فيه من أرض  مصر      .  
قال  أبو عبيد     : وحدثني   سعيد بن عفير  عن   ابن لهيعة  ونافع بن يزيد     - وكان من خيارهم - وأظنه قال :   ويحيى بن أيوب  وشيوخهم أنهم كانوا ينكرون ذلك على  الليث  أيضا .  
قال  أبو عبيد     : وإنما دخل فيها  الليث  لأن  مصر   كانت عنده صلحا      [ ص: 307 ]    [ وكان يحدثه عن   يزيد بن أبي حبيب     ] ، فلذلك استجاز الدخول فيها .  
كذلك حدثني  عبد الله بن صالح   وابن أبي مريم  وغيرهما .  
وحرمها آخرون ; لأنها كانت عندهم عنوة .  
قال  أبو عبيد     :  وكان   أبو إسحاق الفزاري  يكره  الدخول في بلاد الثغر      ; لأنها عنوة ولم يتخذ بها زرعا حتى مات     .  
قال  أبو عبيد     : ومع هذا كله أنه قد سهل في الدخول في أرض الخراج أئمة يقتدى بهم ولم يشترطوا عنوة ولا صلحا منهم من الصحابة   عبد الله بن مسعود  ، ومن التابعين   محمد بن سيرين   وعمر بن عبد العزيز  ، وكان ذلك رأي   سفيان الثوري  فيما يحكى عنه .  
فأما حديث   ابن مسعود  فإن  حجاجا  حدثني عن  شعبة  عن   أبي التياح   [ ص: 308 ] عن رجل من  طيئ   حسبته قال : عن أبيه عن   عبد الله بن مسعود  رضي الله عنه قال :  نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التبقر في الأهل والمال     .  
قال : ثم قال  عبد الله     : فكيف بمال براذان وبكذا وبكذا ؟  
 [ ص: 309 ]  [ ص: 310 ] قال  أبو عبيد  التبقر : التوسع في المال وغيره وإنما هو مأخوذ من بقرت الشيء أي وسعته .  
وذكر  عن   ابن سيرين  أنه كانت له أرض من أرض الخراج ، فكان      [ ص: 311 ] يعطيها بالثلث والربع     .  
وذكر  عن   عمر بن عبد العزيز  أنه أعطى أرضها بجزيتها من أرض السواد     .  
قال  أبو عبيد     :  وكان   عمر بن عبد العزيز  يتأول بالرخصة في أرض الخراج أن الجزية التي قال الله :  حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون   ، إنما هي على الرءوس لا على الأرض     .  
حدثنا  عبد الله بن صالح  عن   الليث بن سعد  عن   عمر بن عبد العزيز  قال : إنما الجزية على الرءوس وليس على الأرض جزية     .  
قال : فالداخل في أرض الخراج ليس بداخل في هذه الآية والذي يروى عن  سفيان  أنه قال : إذا أقر الإمام أهل العنوة في أرضهم توارثوها      [ ص: 312 ] وتبايعوها ، فهذا يبين لك أن رأيه الرخصة فيها .  
قال : فالعلماء قد اختلفوا في أرض الخراج قديما وحديثا ، وكلهم إمام إلا أن أهل الكراهة أكثر والحجة في مذهبهم أبين .  
وقد احتج قوم من أهل الرخصة بإقطاع  عثمان  من أقطع من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسواد .  
قال : وإنما كان اختلافهم في الأرض المغلة التي يلزمها الخراج من ذوات المزارع والشجر ، فأما المساكن والدور بأرض السواد فما علمنا أحدا كره شراءها وحيازتها وسكناها ، وقد اقتسمت  الكوفة   خططا في زمن   عمر بن الخطاب  رضي الله عنه وهو أذن في ذلك ، ونزلها من أكابر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رجال منهم   سعد بن أبي وقاص   وعبد الله بن مسعود  وعمار  وحذيفة  وسلمان  وخباب  وأبو مسعود  وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين ، ثم قدمها  علي  فيمن معه من الصحابة فأقام بها خلافته كلها ، ثم كان التابعون بعد بها فما علمنا أحدا منهم ارتاب بها ولا كان في نفسه منها شيء وكذلك سائر السواد .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					