( فصل ) 
قال الرافضي  [1]  : " السابع : أنه لما توجه إلى صفين  لحق أصحابه عطش شديد  ، فعدل بهم قليلا ، فلاح لهم دير فصاحوا بساكنه ، فسألوه عن الماء ، فقال : بيني وبينه أكثر من فرسخين ، ولولا أني أوتى ما يكفيني [2] كل شهر على التقتير لتلفت عطشا ،  [ ص: 158 ] فأشار أمير المؤمنين إلى مكان قريب من الدير ، وأمر بكشفه ، فوجدوا صخرة عظيمة ، فعجزوا عن إزالتها ، فقلعها وحده ، ثم شربوا الماء ، فنزل إليهم [3] الراهب ، فقال [4]  : أنت نبي مرسل أو ملك مقرب ؟ فقال [5]  : لا ، ولكني وصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم على يده [6] ، وقال : إن هذا الدير بني على طالب هذه [7] الصخرة ، ومخرج الماء من تحتها ، وقد مضى جماعة [8] قبلي لم يدركوه . وكان الراهب من جملة من استشهد معه ، ونظم القصة [9] السيد الحميري  في قصيدته " [10]  . 
والجواب : أن هذا من جنس أمثاله من الأكاذيب التي يظنها [11] الجهال من أعظم مناقب  علي  ، وليست كذلك ، بل الذي وضع هذه كان جاهلا بفضل  علي  ، وبما يستحقه من الممادح ، فإن الذي فيه من المنقبة أنه أشار إلى صخرة فوجدوا تحتها الماء ، وأنه قلعها . ومثل هذا يجري لخلق كثير ،  علي   - رضي الله عنه - [12]  - أفضل منهم ، بل في المحبين  لأبي بكر   [ ص: 159 ]  وعمر   وعثمان  من يجري لهم أضعاف هذا ، وأفضل من هذا وهذا ، وإن كان إذا جرى على يد بعض الصالحين كان نعمة من الله وكرامة له ، فقد يقع مثل ذلك لمن ليس من الصالحين كثيرا . 
وأما سائر ما فيها ، مثل قوله : " إن هذا الدير بني على طالب هذه الصخرة ، ومخرج الماء من تحتها " . 
فليس هذا من دين المسلمين ، وإنما تبنى الكنائس  والديارات  والصوامع  على أسماء المقتدية بسير النصارى  ، فأما المسلمون فلا يبنون معابدهم - وهي المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه - إلا على اسم الله ، لا على اسم مخلوق . 
وقول [13] الراهب : " أنت نبي مرسل أو ملك مقرب " يدل على جهله ، وأنه من أضل الخلق ; فإن الملائكة لا تشرب الماء ، ولا تحتاج [ إلى ] [14] أن تستخرجه من تحت صخرة . ومحمد   - صلى الله عليه وسلم - لا نبي بعده ، ومعلوم أن هذا الراهب قد سمع بخبر المسلمين الذين فتحوا تلك المواضع ، فإن كان يجوز أن يبعث رسول بعد المسيح  ، فمحمد  هو الرسول ، ومعجزاته ظاهرة باطنة ، فإن صدقه فقد علم أنه لا نبي بعده ، وإن لم يصدقه فكيف يعتقد في غيره أنه نبي مرسل بمجرد دلالته على ماء تحت صخرة ، أو لكون الدير بني على اسمه ، وهم يبنون الديارات على أسماء خلق كثير ليسوا من الملائكة ولا الرسل ؟ ! 
وما فيه من قول  علي   : " ولكني وصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم "  [ ص: 160 ] هو مما يبين أنه كذب على  علي  ، وأن  عليا  لم يدع هذا قط ، لا في خلافة الثلاثة ولا ليالي صفين   . وقد كانت له مع منازعيه مناظرات ومقامات ، ما ادعى هذا قط ، ولا ادعاه أحد له . وقد حكم الحكمين ، وأرسل  ابن عباس  لمناظرة الخوارج  ، فذكروا فضائله وسوابقه ومناقبه ، ولم يذكر أحد منهم قط أنه وصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم . 
ومعلوم أن هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله ، بدون هذه الأسباب الموجبة لنقله لو كان حقا ، فكيف مع هذه الأسباب ؟ ! 
فلما رووا فضائله ومناقبه ، كقوله عليه السلام : " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، [ ويحبه الله ورسوله  ] " [15]  . 
وكقوله عام تبوك   : " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي  " [16]  . 
وقوله : " أنت مني وأنا منك  " [17] ، وغير ذلك من فضائله ، ولم يرووا هذا مع مسيس الحاجة إلى ذكره [ ولا ادعاه علي قط مع مسيس الحاجة إلى ذكره ] [18]  - علم أنه من جملة ما افتراه الكذابون . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					