فصل في ذكر بعض مبطلات الصلاة وسننها ومكروهاتها . ( تبطل ) الصلاة ( بالنطق ) عمدا بكلام مخلوق  ،  وإن لم يكن بلغة العرب    ( بحرفين ) ولو من حديث قدسي إن  [ ص: 36 ] تواليا فيما يظهر قياسا على ما يأتي في الأفعال أفهما أو لا  ،  وإن كان لمصلحة الصلاة  ،  إذ أقل ما يبنى منه الكلام حرفان  ،  وتخصيصه بمفهم اصطلاح حادث للنحاة . والأصل في ذلك خبر  مسلم    { كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت { وقوموا لله قانتين    } فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام   } وروي أيضا { أنه صلى الله عليه وسلم قال لمن قال لعاطس يرحمك الله : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس   } ( أو حرف مفهم ) كق من الوقاية  ،  وع من الوعي  ،  وف من  [ ص: 37 ] الوفاء  ،  وش من الوشي ( وكذا مدة بعد حرف في الأصح )  ،  وإن لم يفهم إذ المد ألف أو واو أو ياء فالممدود في الحقيقة حرفان . 
والثاني لا تبطل ; لأن المدة قد تتفق لإشباع الحركة ولا تعد حرفين  ،  وفي الأنوار أنها لا تبطل بالبصق إلا أن يتكرر ثلاث مرات متواليات : أي مع حركة عضو يبطل تحريكه ثلاثا كلحى لا شفة كما لا يخفى ( والأصح أن التنحنح والضحك والبكاء )  ،  وإن كان من خوف الآخرة ( والأنين ) والتأوه ( والنفخ ) من أنف أو فم ( إن ظهر به ) أي بواحد من ذلك ( حرفان بطلت ) صلاته لوجود منافيها ( وإلا فلا ) تبطل لما مر . والثاني لا تبطل بذلك مطلقا ; لكونه لا يسمى في اللغة كلاما  ،  ولا يتبين منه حرف محقق فكان شبيها بالصوت الغفل  ،  وخرج بالضحك التبسم فلا تبطل به لثبوته عنه صلى الله عليه وسلم فيها ( ويعذر في يسير الكلام ) عرفا كما يرجع إليه في ضبط الكلمة لا ما ضبطها به النحاة واللغويون . 
( إن سبق لسانه ) إليه لعذره بل هو أولى من الناسي لعدم قصده ( أو نسي الصلاة ) لعذره أيضا  ،  بخلاف نسيان تحريمه فيها فإنه كنسيان نجاسة نحو ثوبه . ولو ظن بطلان صلاته بكلامه ساهيا ثم تكلم يسيرا عمدا  لم تبطل . والأصل في ذلك خبر الصحيحين عن  أبي هريرة    { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  [ ص: 38 ] الظهر والعصر  ،  فسلم من ركعتين ثم أتى خشبة بالمسجد واتكأ عليها كأنه غضبان  ،  فقال له ذو اليدين    : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله ؟ فقال لأصحابه : أحق ما يقول ذو اليدين  ؟ قالوا نعم  ،  فصلى ركعتين أخريين ثم سجد سجدتين   } . 
وجه الدلالة أنه تكلم معتقدا أنه ليس في صلاة  ،  وهم تكلموا مجوزين النسخ ثم بنى هو  ،  وهم فيها  ،  وأن ذا اليدين  كان جاهلا بتحريم الكلام  ،  أو أن كلام أبي بكر  وعمر  كان على حكم الغلبة لوجوب الإجابة عليهما ( أو جهل تحريمه ) أي الكلام فيها ( إن قرب عهده بالإسلام )  ،  وإن كان بين المسلمين فيما يظهر أو نشأ ببادية بعيدة  [ ص: 39 ] عمن يعرف ذلك فيما يظهر أيضا للخبر المار . ويؤخذ منه أن الضابط لذلك أن ما عذر الشخص لجهله به وخفائه على غالبهم لا يؤاخذ به  ،  ويؤيده تصريحهم بأن الواجب علينا إنما هو تعلم الظواهر لا غير  ،  وخرج بجهل تحريمه ما لو علمه  ،  وجهل كونه مبطلا فتبطل به كما لو علم تحريم شرب الخمر دون إيجابه الحد فإنه يحد  ،  إذ حقه بعد العلم بالتحريم الكف . 
ولو سلم إمامه فسلم معه ثم سلم الإمام ثانيا فقال له المأموم قد سلمت قبل هذا فقال كنت ناسيا  لم تبطل صلاة واحد منهما  ،  ويسلم المأموم ويسجد للسهو ; لوجود الكلام بعد انقطاع القدوة . ولو سلم من ثنتين ظانا تمام صلاته فكالجاهل كما ذكره الرافعي  في كتاب الصوم ( لا ) في ( كثيره ) فلا يعذر فيه فيما مر ( في الأصح ) وتبطل به ; لأنه يقطع نظمها  ،  وهيئتها ; ولأن السبق والنسيان في الكثير نادر . والثاني يسوي بينهما في العذر ; لأنه لو أبطل كثيره لأبطل قليله كالعمد ويرجع في القلة والكثرة للعرف . 
     	
		
				
						
						
