وكذلك نص أحمد في رواية ابن منصور في شجرة في الحل غصنها في الحرم عليه طير لا يرمى ولم يفصل بين رميه من الحل والحرم ، وبهذا جزم ابن أبي موسى والقاضي والأكثرون ، ولم يذكر القاضي في خلافه سواه ; لأنه صيد معصوم بمحله فلا يباح قتله بكل حال وفيه الضمان .
وذكر القاضي في المجرد وأبو الخطاب وجماعة رواية أخرى أنه لا يضمنه اعتبارا بحال الرامي ومحله وهو ضعيف ، ولا يثبت عن أحمد ، وإنما أخذه القاضي في رواية ابن منصور في إباحة [ ص: 293 ] الاصطياد بالكلب وإرساله من الحرم إلى الحل .
قال فظاهر هذا أنه متى كان أحدهما في الحل والآخر في الحرم فلا ضمان ولا يصح لوجهين :
أحدهما : أن النص في الكلب ، والكلب له فعل اختياري ، فإذا أرسله في الحرم على صيد في الحل فهو بمنزلة من وكل عبده في الحرم في شراء صيد من الحل وذبحه فيه . وهذا بخلاف ما إذا أرسل سهمه ; لأنه منسوب إلى فعله ، ولهذا فرق أحمد في رواية ابن منصور بين أن يرسل سهمه من الحل إلى صيد في الحل فيدخل الحرم فيقتل فيه فيضمنه ، وبين أن يرسل الكلب فلا يضمن ; لأن دخول الكلب إلى الحرم باختياره ، ودخول السهم لفعل الرامي ، ولهذا لو أصاب سهم آدميا لضمنه ، ولو أصاب الكلب آدميا لم يضمنه ، وإلى هذا التفريق أشار ابن أبي موسى حيث ضمن في الرمي السهم في المسألتين ولم يضمن في صيد الكلب إذا أرسله في الحل فصاد في الحرم ، إلا أن يرسله بقرب الحرم ، وأما إن أرسله في الحرم فصاد في الحل فحكى فيه روايتين قال : والأظهر عنه أنه لا جزاء فيه ، ولكن القاضي إنما صرح بالخلاف في الكلب ، وأبو الخطاب هو الذي طرد الخلاف في السهم .
والوجه الثاني : أن هذا النص إنما يدل على انتفاء الضمان فيما إذا أرسل سهمه من الحرم على صيد في الحل ; لأن صيد الحل غير معصوم فلا يصح إلحاق صيد الحرم به ، وقد فرق طوائف من الأصحاب بين الصورتين فمنهم من جزم بنفي الضمان فيما إذا أرسل سهمه من الحرم إلى الحل ، وبالضمان في العكس من غير خلاف حكاه فيهما ، وهو في المبهج للشيرازي .
ومنهم من حكى الخلاف فيهما ، وصحح الفرق وهو صاحب المغني ، ومنهم من حكى الخلاف فيما إذا أرسل سهمه من الحرم إلى الحل ولم يحك الخلاف في ضمان عكسه وهو القاضي في خلافه ، وأخذ نفي الضمان في الصورة الأولى من رواية ابن منصور المذكورة ، والضمان من رواية ابن منصور أيضا عن أحمد فيمن قتل صيدا على غصن في الحل أصله في الحرم أنه يضمنه .
وفي أخذ الضمان من هذا نظر ، فإن الغصن تابع لمحل معصوم وهو أصل الشجرة الذي في الحرم فكان حكمه حكم الحرم بخلاف الحل ، ولهذا لم يفرق أحمد بين قتله من الحل أو من الحرم فدل على أن حكم الغصن عنده حكم الحرم ، ونقل ابن منصور عنه أيضا وذكر له قول سفيان في شجرة أصلها في الحل الغصن عنده حكم الحرم ، ونقل ابن منصور عنه أيضا وذكر له قول سفيان في شجرة كان في الحرم فلا يرم ، قال أحمد : ما أحسن ما قال ، .
فجعل القاضي هذه رواية ثانية مخالفة للأولى ، وحكى في الصيد الذي على غصن في الحل أصله في الحرم روايتين ، وليس كذلك ، فإن أحمد ضمن الصيد في الأولى إلحاقا للفرع بأصله في الحرمة ، ولم يضمن في الثانية إلحاقا للفرع بأصله في عدم الحرمة ، وإنما ضمن ما كان على الغصن تابعا لقراره من الأرض دون أصله وهو مخالف لنص أحمد .


