[ ص: 319 ] النوع السابع والأربعون : معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد من الصحابة والتابعين فمن بعدهم رضي الله عنهم
ولمسلم فيه كتاب لم أره ، ومثاله من الصحابة وهب بن خنبش - وهو في كتابي الحاكم وأبي نعيم الأصبهاني في معرفة علوم الحديث هرم بن خنبش ، وهو رواية داود الأودي عن الشعبي ، وذلك خطأ - صحابي لم يرو عنه غير الشعبي .
وكذلك عامر بن شهر ، وعروة بن مضرس ، ومحمد بن صفوان الأنصاري ، ومحمد بن صيفي الأنصاري - وليسا بواحد وإن قاله بعضهم - صحابيون ، لم يرو عنهم غير الشعبي .
وانفرد قيس بن أبي حازم بالرواية عن أبيه ، وعن دكين بن سعيد المزني ، والصنابح بن الأعسر ، ومرداس بن مالك الأسلمي ، وكلهم صحابة .
وقدامة بن عبد الله الكلابي منهم ، لم يرو عنه غير أيمن بن نابل .
وفي الصحابة جماعة لم يرو عنهم غير أبنائهم منهم : شكل بن حميد ، لم يرو عنه غير ابنه شتير .
ومنهم : المسيب بن حزن القرشي [ ص: 320 ] لم يرو عنه غير ابنه سعيد بن المسيب .
ومعاوية بن حيدة لم يرو عنه غير ابنه حكيم والد بهز .
وقرة بن إياس لم يرو عنه غير ابنه معاوية .
وأبو ليلى الأنصاري لم يرو عنه غير ابنه عبد الرحمن بن أبي ليلى .
ثم إن الحاكم أبا عبد الله حكم في " المدخل إلى كتاب الإكليل " بأن أحدا من هذا القبيل لم يخرج عنه البخاري ومسلم في صحيحيهما .
وأنكر ذلك عليه ، ونقض عليه بإخراج البخاري في صحيحه حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي : " يذهب الصالحون الأول فالأول " ولا راوي له غير قيس .
وبإخراجه - بل بإخراجهما - حديث المسيب بن حزن في وفاة أبي طالب ، مع أنه لا راوي له غير ابنه .
وبإخراجه حديث الحسن البصري ، عن عمرو بن تغلب : " إني لأعطي الرجل ، والذي أدع أحب إلي " ولم يرو عن عمرو غير الحسن .
وكذلك أخرج مسلم في صحيحه حديث رافع بن عمرو الغفاري ، ولم [ ص: 321 ] يرو عنه غير عبد الله بن الصامت ، وحديث أبي رفاعة العدوي ولم يرو عنه غير حميد بن هلال العدوي .
وحديث الأغر المزني : " إنه ليغان على قلبي " ولم يرو عنه غير أبي بردة ، في أشياء كثيرة عندهما في كتابيهما على هذا النحو .
وذلك دال على مصيرهما إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولا مردودا برواية واحد عنه .
وقد قدمت هذا في النوع الثالث والعشرين ، ثم بلغني عن أبي عمر بن عبد البر الأندلسي وجادة قال : " كل من لم يرو عنه إلا رجل واحد فهو عندهم مجهول ، إلا أن يكون رجلا مشهورا في غير حمل العلم ، كاشتهار مالك بن دينار بالزهد ، وعمرو بن معدي كرب بالنجدة " .
واعلم أنه قد يوجد في بعض من ذكرنا تفرد راو واحد عنه [ ص: 322 ] خلاف في تفرده ، ومن ذلك قدامة بن عبد الله ، ذكر ابن عبد البر أنه روى عنه أيضا حميد بن كلاب ، والله أعلم .
ومثال هذا النوع في التابعين : أبو العشراء الدارمي ، لم يرو عنه - فيما يعلم - غير حماد بن سلمة .
ومثل الحاكم لهذا النوع في التابعين بمحمد بن أبي سفيان الثقفي ، وذكر أنه لم يرو عنه غير الزهري فيما يعلم ، قال : وكذلك تفرد الزهري عن نيف وعشرين رجلا من التابعين ، لم يرو عنهم غيره ، وكذلك عمرو بن دينار تفرد عن جماعة من التابعين ، وكذلك يحيى بن سعيد الأنصاري ، وأبو إسحاق السبيعي وهشام بن عروة وغيرهم .
وسمى الحاكم منهم في بعض المواضع فيمن تفرد عنهم : عمرو بن دينار : عبد الرحمن بن معبد ، وعبد الرحمن بن فروخ ، وفيمن تفرد عنهم الزهري : عمرو بن أبان بن عثمان ، وسنان بن أبي سنان الدؤلي ، وفيمن تفرد عنهم يحيى : عبد الله بن أنيس الأنصاري .
ومثل في أتباع التابعين بالمسور بن رفاعة القرظي ، وذكر أنه لم يرو عنه غير مالك ، وكذلك تفرد مالك عن زهاء عشرة من شيوخ المدينة .
قلت : وأخشى أن يكون الحاكم في تنزيله بعض من ذكره بالمنزلة [ ص: 323 ] التي جعله فيها - معتمدا على الحسبان والتوهم ، والله أعلم .


