عن  أبي هريرة  بلفظ : { من أتى حائضا ، أو امرأة في دبرها ، أو  [ ص: 370 ] كاهنا فصدقه  فيما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد    }. قال الترمذي    : غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم  ، وقال  البخاري    : لا يعرف لأبي تميمة  سماع من  أبي هريرة    . 
وقال  البزار    : هذا حديث منكر ، وحكيم  لا يحتج به ، وما انفرد به فليس بشيء ، وله طريق ثالث أخرجها  النسائي  من رواية  الزهري  ، عن  أبي سلمة  ، عن  أبي هريرة  ، قال حمزة الكناني  الراوي عن  النسائي    : هذا حديث منكر ، ولعل عبد الملك بن محمد الصنعاني  سمعه من سعيد بن عبد العزيز  بعد اختلاطه ، قال : وهو باطل من حديث  الزهري  ، والمحفوظ عن  الزهري  ، عن  أبي سلمة  أنه كان ينهى عن ذلك ، انتهى . 
وعبد الملك  قد تكلم فيه دحيم  ، وأبو حاتم  ، وغيرهما ، وله طريق رابعة أخرجها  النسائي  أيضا من طريق بكر بن خنيس  ، عن  ليث  ، عن  مجاهد  ، عن  أبي هريرة  بلفظ : { من أتى شيئا من الرجال أو النساء في الأدبار ، فقد كفر   }. وبكر  ، وليث  ضعيفان ، وقد رواه  الثوري  ، عن  ليث  بهذا السند موقوفا ، ولفظه : " إتيان الرجال والنساء في أدبارهن كفر " . وكذا أخرجه  أحمد  ، عن  إسماعيل  ، عن  ليث  ، والهيثم بن خلف  في كتاب ذم اللواط من طريق  محمد بن فضيل  ، عن  ليث  ، وفي رواية : " من أتى امرأته في دبرها فتلك كفرة " . وله طريق خامسة رواها عبد الله بن عمر بن أبان  ، عن  مسلم بن خالد الزنجي  ، عن العلاء  ، عن أبيه ، عن  أبي هريرة  بلفظ : { ملعون من أتى النساء في أدبارهن   }.  ومسلم  فيه ضعف ، وقد رواه يزيد بن أبي حكيم  عنه موقوفا . وفي الباب عن  ابن عباس  أخرجه الترمذي  ،  والنسائي  ،  وابن حبان  ،  وأحمد  ،  والبزار  ، من طريق  كريب  ، عن  ابن عباس  ، قال  البزار    : لا نعلمه  [ ص: 371 ] يروي عن  ابن عباس  بإسناد أحسن من هذا ، تفرد به  أبو خالد الأحمر  ، عن الضحاك بن عثمان  ، عن  مخرمة بن سليمان  ، عن  كريب  ، وكذا قال ابن عدي  ، ورواه  النسائي  ، عن  هناد  ، عن  وكيع  ، عن الضحاك  موقوفا ، وهو أصح عندهم من المرفوع . وعن  ابن عباس    : طريق أخرى موقوفة رواها  عبد الرزاق  ، عن  معمر  ، عن  ابن طاوس  ، عن أبيه : " أن رجلا سأل  ابن عباس  عن إتيان المرأة في دبرها ، فقال : تسألني عن الكفر " . وأخرجه  النسائي  من رواية  ابن المبارك  ، عن  معمر  ، وإسناده قوي ، وسيأتي له طريق أخرى بعد قليل . 
وفي الباب أيضا عن علي بن طلق  ، أخرجه الترمذي  ،  والنسائي  ،  وابن حبان  ، بلفظ : { إن الله لا يستحي من الحق ، لا تأتوا النساء في أعجازهن   }. وعن  عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده أخرجه  أحمد  بلفظ : " سئل عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ، فقال : هي اللوطية الصغرى " . وأخرجه  [ ص: 372 ]  النسائي  أيضا وأعله ، والمحفوظ عن  عبد الله بن عمرو  من قوله ، كذا أخرجه  عبد الرزاق  ، وغيره ، وعن  أنس  أخرجه الإسماعيلي  في معجمه ، وفيه يزيد الرقاشي  وهو ضعيف . وعن  أبي بن كعب    : في جزء  الحسن بن عرفة  بإسناد ضعيف جدا ، وعن  ابن مسعود  عند ابن عدي  بإسناد واه ، وعن  عقبة بن عامر  عند  أحمد  وفيه  ابن لهيعة  ، وعن  عمر  أخرجه  النسائي  ،  والبزار  من طريق زمعة بن صالح  ، عن  ابن طاوس  ، عن أبيه ، عن ابن الهاد  ، عن  عمر  ، وزمعة ضعيف ، وقد اختلف عليه في وقفه ورفعه . 
قوله : وحكى ابن عبد الحكم  عن  الشافعي  أنه قال : لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه ولا في تحليله شيء ، والقياس أنه حلال ، قلت : هذا سمعه ابن أبي حاتم  من محمد  ، وكذلك  الطحاوي  ، وأخرجه عنه ابن أبي حاتم  في مناقب  الشافعي  له ، وأخرجه  الحاكم  في مناقب  الشافعي  ، عن الأصم  ، عنه ، وأخرجه  الخطيب  ، عن أبي سعيد بن موسى  ، عن الأصم    . 
وروى  الحاكم  ، عن نصر بن محمد المعدل  ، عن  محمد بن القاسم بن شعبان  الفقيه ، قال : ثنا الحسن بن عياض  ، ومحمد بن أحمد بن حماد  قالا : نا  محمد بن عبد الله يعنيان ابن عبد الحكم  ، قال : قال  الشافعي  كلاما كلم به  محمد بن الحسن  في مسألة إتيان المرأة في دبرها  ، قال : سألني  محمد بن الحسن  ، فقلت له : إن كنت تريد المكابرة ، وتصحيح الروايات وإن لم تصح ، فأنت أعلم ، وإن تكلمت بالمناصفة ، كلمتك ، قال : على المناصفة . 
قلت : فبأي شيء حرمته قال : بقول الله عز وجل : { فأتوهن من حيث أمركم الله    }. 
وقال : { فأتوا حرثكم أنى شئتم    }والحرث لا يكون إلا في الفرج ، قلت : أفيكون ذلك محرما لما سواه ؟ قال : نعم ، قلت : فما تقول : لو وطئها بين  [ ص: 373 ] ساقيها ، أو في أعكانها ، أو تحت إبطها ، أو أخذت ذكره بيدها ، أفي ذلك حرث ؟ قال : لا ، قلت : أفيحرم ذلك ؟ قال : لا ، قلت : فلم تحتج بما لا حجة فيه ؟ قال : فإن الله قال : { والذين هم لفروجهم حافظون    }الآية ، قال : فقلت له : إن هذا مما يحتجون به للجواز ، إن الله أثنى على من حفظ فرجه من غير زوجته ، وما ملكت يمينه ، فقلت : أنت تتحفظ من زوجته ومما ملكت يمينه . قال  الحاكم    : لعل  الشافعي  كان يقول بذلك في القديم ، فأما في الجديد فالمشهور أنه حرمه . 
قوله : قال الربيع    : كذب والله الذي لا إله إلا هو ، قد نص  الشافعي  على تحريمه في ستة كتب ، هذا سمعه أبو العباس الأصم  من الربيع  ، وحكاه عنه جماعة ، منهم الماوردي  في الحاوي ، وأبو نصر بن الصباغ  في الشامل ، وغيرهما ، وتكذيب الربيع  لمحمد  لا معنى له ; لأنه لم ينفرد بذلك ، فقد تابعه عبد الرحمن بن عبد الله  أخوه عن  الشافعي  ، أخرجه أحمد بن أسامة بن أحمد بن أبي السمح المصري  ، عن أبيه ، قال : سمعت عبد الرحمن    . فذكر نحوه عن  الشافعي  ، وأخرج  الحاكم  ، عن الأصم  ، عن الربيع  ، قال : قال  الشافعي    : قال الله : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم    }احتملت الآية معنيين : أحدهما : أن تؤتى المرأة من حيث شاء زوجها ; لأن ( أنى شئتم } ، يأتي بمعنى أين شئتم . ثانيهما : أن الحرث إنما يراد به النبات في موضعه دون ما سواه ، فاختلف أصحابنا في ذلك ، وأحسب كلا من الفريقين تأولوا ما وصفت من احتمال الآية ، قال : فطلبنا الدلالة من السنة ، فوجدنا حديثين مختلفين ، أحدهما ثابت وهو حديث خزيمة  في التحريم ، قال ، فأخذنا به . 
قوله : وفي مختصر الجويني  أن بعضهم أقام ما رواه ، أي ابن عبد الحكم  ، قولا ، انتهى . وإن كان كذلك فهو قول قديم ، وقد رجع عنه  الشافعي  كما قال الربيع  ، وهذا أولى من إطلاق الربيع  تكذيب  محمد بن عبد الله بن عبد الحكم  ، فإنه لا خلاف في ثقته وأمانته ، وإنما اغتر محمد  بكون  الشافعي  قص له القصة التي وقعت له بطريق المناظرة بينه وبين  محمد بن الحسن  ، ولا شك أن العالم في المناظرة يتقذر القول وهو لا يختاره ، فيذكر أدلته إلى أن ينقطع خصمه ، وذلك غير مستنكر في المناظرة ، والله أعلم .  [ ص: 374 ] 
قوله : وروي عن  مالك  ، وقال بعد ذلك : ويعلم قوله الإتيان في الدبر بالميم ، لما روي عن  مالك  قال : وأصحابه العراقيون  لم يثبتوا الرواية ، انتهى . قرأت في رحلة  ابن الصلاح  أنه نقل ذلك من كتاب المحيط للشيخ أبي محمد الجويني  قال : وهو مذهب  مالك  ، وقد رجع متأخرو أصحابه عن ذلك ، وأفتوا بتحريمه ، إلا أن مذهبه أنه حلال ، قال : وكان عندنا قاض يقال له : أبو وائلة  ، وكان يرى بجوازه ، فرفعت إليه امرأة وزوجها ، واشتكت منه أنه يطلب منها ذلك ، فقال : قد ابتليت ، وقال  القاضي أبو الطيب  في تعليقه : نص في كتاب السر عن  مالك  على إباحته ، ورواه عنه أهل مصر  ، وأهل المغرب    . 
قلت . وكتاب السر وقفت عليه في كراسة لطيفة من رواية  الحارث بن مسكين  ، عن  عبد الرحمن بن القاسم  ، عن  مالك  ، وهو يشتمل على نوادر من المسائل ، وفيها كثير مما يتعلق بالخلفاء ، ولأجل هذا سمي كتاب السر ، وفيه هذه المسألة ، وقد رواه أحمد بن أسامة التجيبي  وهذبه ، ورتبه على الأبواب ، وأخرج له أشباها ونظائر في كل باب . 
وروى فيه من طريق  معن بن عيسى  ، سألت  مالكا  عنه فقال . ما أعلم فيه تحريما . 
وقال  ابن رشد  في كتاب البيان والتحصيل في شرح العتبية : روى  العتبي  عن ابن القاسم  ، عن  مالك  أنه قال له ، وقد سأله عن ذلك مخليا به ، فقال . حلال ليس به بأس . 
قال ابن القاسم    : ولم أدرك أحدا اقتدي به في دين يشك فيه ، والمدنيون يروون الرخصة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يشير بذلك إلى ما روي عن  ابن عمر  ،  وأبي سعيد  ، أما حديث  ابن عمر    : فله طرق رواه عنه  نافع  ، وعبيد الله بن عبد الله بن عمر  ،  وزيد بن أسلم  ، وسعيد بن يسار  ، وغيرهم ، أما  نافع  ، فاشتهر عنه من طرق كثيرة جدا ، منها رواية  مالك  ، وأيوب  ، وعبيد الله بن عمر العمري  ،  وابن أبي ذئب  ،  وعبد الله بن عون  ،  وهشام بن سعد  ، وعمر بن محمد بن زيد  ،  وعبد الله بن نافع  ، وأبان بن صالح  ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة    . قال  الدارقطني  ، في أحاديث  مالك  التي رواها خارج الموطأ : نا أبو جعفر الأسواني  المالكي بمصر  ، نا محمد بن أحمد بن حماد  ، نا أبو الحارث أحمد بن سعيد الفهري  ،  [ ص: 375 ] نا أبو ثابت محمد بن عبيد الله  ، حدثني الدراوردي  ، عن عبيد الله بن عمر بن حفص  ، عن  نافع  ، قال : قال لي  ابن عمر    : أمسك علي المصحف يا نافع ، فقرأ حتى أتى على هذه الآية { نساؤكم حرث لكم    }فقال : تدري يا  نافع  ، فيمن أنزلت هذه الآية ؟ . قال : قلت : لا . قال : فقال لي : في رجل من الأنصار  أصاب امرأته في دبرها ، فأعظم الناس ذلك فأنزل الله تعالى { نساؤكم حرث لكم    }الآية . قال  نافع    : فقلت  لابن عمر    : من دبرها في قبلها ؟ قال : لا ، إلا في دبرها ، 
قال أبو ثابت    : وحدثني به الدراوردي  ، عن  مالك  ،  وابن أبي ذئب  وفيهما عن  نافع  مثله ، وفي تفسير البقرة من صحيح  البخاري  ، نا إسحاق  ، أنا النضر  ، أنا ابن عون  ، عن  نافع  قال : كان  ابن عمر  إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه ، قال : فأخذت عليه يوما ، فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان ، فقال : تدري فيم أنزلت ؟ فقلت : لا . قال : نزلت في كذا وكذا . ثم مضى ، وعن عبد الصمد    : حدثني أبي - يعني عبد الوارث    - ، حدثني أيوب  ، عن  نافع  ، عن  ابن عمر  في قوله تعالى: { نساؤكم حرث لكم    }قال : يأتيها في . . . . 
قال : ورواه محمد بن يحيى بن سعيد  ، عن أبيه ، عن  عبيد الله بن عمر  ، عن  نافع  ، عن  ابن عمر  هكذا وقع عنده ، والرواية الأولى في تفسير  إسحاق بن راهويه  مثل ما ساق ، لكن عين الآية وهي { نساؤكم حرث لكم    }وغير قوله كذا وكذا فقال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن ، وكذا رواه الطبري  من طريق ابن علية  ، عن ابن عون  ، وأما رواية عبد الصمد  فهي تفسير إسحاق  أيضا عنه . 
وقال فيه : يأتيها في الدبر ، وأما رواية محمد  فأخرجها  الطبراني  في الأوسط عن علي بن سعيد  ، عن أبي بكر الأعين  ، عن محمد بن يحيى بن سعيد  بلفظ : إنما نزلت { نساؤكم حرث لكم    }رخصة في إتيان الدبر ، وأخرجه  الحاكم  في تاريخه من طريق عيسى بن مثرود  ، عن  عبد الرحمن بن القاسم  ، ومن طريق  سهل بن عمار  ، عن  عبد الله بن نافع  ، ورواه  الدارقطني  في غرائب  مالك  من طريق  زكريا الساجي  ، عن محمد بن الحارث المدني  ، عن  أبي مصعب  ، ورواه  الخطيب  في الرواة عن  مالك  من طريق أحمد بن الحكم العبدي  ، ورواه أبو إسحاق الثعلبي  في تفسيره ،  والدارقطني  أيضا من طريق إسحاق بن محمد الفروي  ، ورواه أبو نعيم  في  [ ص: 376 ] تاريخ أصبهان  من طريق محمد بن صدقة الفدكي  كلهم عن  مالك    . 
قال  الدارقطني    : هذا ثابت عن  مالك    . وأما  زيد بن أسلم  فروى  النسائي  ، والطبري  من طريق أبي بكر بن أبي أويس  ، عن  سليمان بن بلال  ، عنه ، عن  ابن عمر    : { أن رجلا أتى امرأته في دبرها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد من ذلك وجدا شديدا   }. 
فأنزل الله عز وجل { نساؤكم حرث لكم    }الآية ، وأما عبيد الله بن عبد الله بن عمر    : فروى  النسائي  من طريق يزيد بن رومان  عنه : أن  ابن عمر  كان لا يرى به بأسا ، موقوف ، وأما سعيد بن يسار    : فروى  النسائي  ،  والطحاوي  ، والطبري  من طريق  عبد الرحمن بن القاسم  ، قال : قلت  لمالك    : إن عندنا بمصر   الليث بن سعد  يحدث عن الحارث بن يعقوب  ، عن سعيد بن يسار  قال : قلت  لابن عمر    : " إنا نشتري الجواري فنحمض لهن " . والتحميض الإتيان في الدبر ، فقال : أف أو يفعل هذا مسلم ، قال ابن القاسم    : فقال لي  مالك    : أشهد على ربيعة  لحدثني ، عن سعيد بن يسار  أنه سأل  ابن عمر  عنه ، فقال : لا بأس به . 
وأما حديث  أبي سعيد    : فروى أبو يعلى  وابن مردويه  في تفسيره ، والطبري   والطحاوي  من طرق ، عن  عبد الله بن نافع  ، عن  هشام بن سعد  ،  [ ص: 377 ] عن  زيد بن أسلم  ، عن  عطاء بن يسار  ، عن  أبي سعيد الخدري    : " أن رجلا أصاب امرأة في دبرها ، فأنكر الناس ذلك عليه ، وقالوا : ثفرها " . فأنزل الله عز وجل { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم    }. 
ورواه أسامة بن أحمد التجيبي  من طريق يحيى بن أيوب  ، عن  هشام بن سعد  ولفظه : كنا نأتي النساء في أدبارهن ، ويسمى ذلك الإثفار ، فأنزل الله الآية . ورواه من طريق  معن بن عيسى  ، عن هشام  ، ولم يسم  أبا سعيد  قال : كان رجال من الأنصار  ، قلت : وقد أثبت  ابن عباس  الرواية في ذلك عن  ابن عمر  ، وأنكر عليه في ذلك ، وبين أنه أخطأ في تأويل الآية ، فروى أبو داود  من طريق  محمد بن إسحاق  ، عن أبان بن صالح  ، عن  مجاهد  ، عن  ابن عباس  قال : إن  ابن عمر  والله يغفر له أوهم ، إنما كان هذا الحي من الأنصار  وهم أهل وثن ، مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب  ، وكانوا يرون لهم فضلا عليهم من العلم ، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، وكان من أمر أهل الكتاب  لا يأتون النساء إلا على حرف ، وذلك أستر ما تكون المرأة ، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من قريش  يشرحون النساء شرحا منكرا ، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، فلما قدم المهاجرون المدينة  تزوج رجل امرأة من الأنصار  ، فذهب يصنع بها ذلك ، فأنكرته عليه ، وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف ، فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، فسرى أمرهما حتى بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : - { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم    }أي : مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني بذلك موضع الولد . وله شاهد من حديث  أم سلمة    . 
قال الإمام  أحمد  ، نا  عفان  ، نا وهيب  ، نا عبد الله بن عثمان بن خثيم  ، عن عبد الرحمن بن سابط  قال : دخلت على حفصة ابنة عبد الرحمن  فقلت : إني  [ ص: 378 ] سائلك عن أمر ، وأنا أستحي أن أسألك ، قالت : فلا تستحي يا ابن أخي ، قال : عن إتيان النساء ، وكانت اليهود  تقول : إنه من جبى امرأته كان ولده أحول ، فلما قدم المهاجرون  المدينة  نكحوا في نساء الأنصار  فجبوهن ، فأبت امرأة أن تطيع زوجها ، وقالت : لن تفعل ذلك ، حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخلت على  أم سلمة  فذكرت لها ذلك ، فقالت : اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، استحيت الأنصارية أن تسأله ، فخرجت ، { فحدثت  أم سلمة  رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ادعي الأنصارية . فدعيت فتلا عليها هذه الآية : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم    }صماما واحدا   }. 
( تنبيه ) : 
روى  النسائي  من طريق  بكر بن مضر  ، عن يزيد بن الهاد  ، عن عثمان بن كعب القرظي  ، عن  محمد بن كعب القرظي    : أن رجلا سأله عن المرأة تؤتى في دبرها فقال : إن  ابن عباس  كان يقول : اسق حرثك من حيث نباته . كذا في بعض النسخ ، وفي بعضها من حيث شئت . 
وكذا رواه الفضل بن حنزابة  ، عن محمد بن موسى المأموني  ، عن  النسائي  ، والأول أشبه بمذهب  ابن عباس    . 
وروى  جابر    : أن سبب نزول الآية المذكورة : أن اليهود  كانت تقول : إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قبلها ، جاء الولد أحول ، فأنزل الله تعالى ، أخرجه الشيخان في الصحيحين وغيرهما ، وفي رواية آدم  ، عن  شعبة  ، عن  محمد بن المنكدر  ، سمعت  جابر بن عبد الله  يقول في قول الله عز وجل : { فأتوا حرثكم أنى شئتم    }قال : قالت اليهود    : إذا أتى الرجل امرأته باركة ، كان الولد أحول ، فأكذبهم الله عز وجل فأنزل : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم    }يقول : كيف شئتم في الفرج ، يريد بذلك موضع الولد للحرث ، يقول : ائت الحرث كيف شئت ، ومن قوله يقول : كيف شئتم ، يحمل أن يكون من ذلكم جائزا ومن دونه  [ ص: 379 ] 
( فائدة ) : 
ما تقدم نقله عن المالكية ، لم ينقل عن أصحابهم إلا عن ناس قليل ، قال  القاضي عياض    : كان القاضي أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي  يجيزه ويذهب فيه إلى أنه غير محرم ، وصنف في إباحته  محمد بن سحنون  ،  ومحمد بن شعبان  ، ونقلا ذلك عن جمع كثير من التابعين . 
وفي كلام ابن العربي  والمازري  ما يومئ إلى جواز ذلك أيضا ، وحكى ابن بزيزة  في تفسيره ، عن  عيسى بن دينار  أنه كان يقول : هو أحل من الماء البارد ، وأنكره كثير منهم أصلا وقال  القرطبي  في تفسيره ، وابن عطية  قبله : لا ينبغي لأحد أن يأخذ بذلك ، ولو ثبتت الرواية فيه لأنها من الزلات . 
وذكر الخليلي  في الإرشاد عن ابن وهب  أن  مالكا  رجع عنه ، وفي مختصر  ابن الحاجب  ، عن ابن وهب  ، عن  مالك  إنكار ذلك ، وتكذيب من نقله عنه ، لكن الذي روى ذلك عن ابن وهب  غير موثوق به . والصواب ما حكاه الخليلي  فقد ذكر الطبري  ، عن  يونس بن عبد الأعلى  ، عن ابن وهب  ، عن  مالك  أنه أباحه ، روى الثعلبي  في تفسيره من طريق  المزني  قال : كنت عند ابن وهب  وهو يقرأ علينا رواية  مالك  فجاءت هذه المسألة ، فقام رجل فقال : يا أبا محمد  ارو لنا ما رويت ، فامتنع أن يروي لهم ذلك ، وقال : أحدكم يصحب العالم ، فإذا تعلم منه لم يوجب له من حقه ما يمنعه من أقبح ما يروى عنه ، وأبى أن يروي ذلك . 
وروي عن  مالك  كراهته ، وتكذيب من نقله عنه من وجه آخر ، أخرجه الخطيب  في الرواة عن  مالك  من طريق إسماعيل بن حصن  ، عن إسرائيل بن روح  ، قال : سألت  مالكا  عنه ، فقال : ما أنتم قوم عرب ، هل يكون الحرث إلا موضع الزرع ؟ قلت : يا  أبا عبد الله  إنهم يقولون ذلك ، قال : يكذبون علي ، والعهدة في هذه الحكاية على  إسماعيل  فإنه واهي الحديث . 
وقد روينا في علوم الحديث للحاكم  قال : نا أبو العباس محمد بن يعقوب  ، نا العباس بن الوليد البيروتي  ، نا أبو عبد الله بشر بن بكر  ، سمعت الأوزاعي  يقول : يجتنب ، أو يترك من قول أهل الحجاز  خمس ، ومن قول أهل العراق  خمس ، من أقوال أهل الحجاز    : استماع الملاهي ، والمتعة ، وإتيان النساء في أدبارهن ، والصرف ، والجمع بين الصلاتين بغير عذر ، ومن أقوال أهل العراق    : شرب النبيذ ، وتأخير العصر حتى يكون ظل الشيء أربعة أمثاله ، ولا جمعة إلا في سبعة أمصار ، والفرار من  [ ص: 380 ] الزحف ، والأكل بعد الفجر في رمضان . 
وروى  عبد الرزاق  ، عن  معمر  قال : لو أن رجلا أخذ بقول أهل المدينة    : في استماع الغناء ، وإتيان النساء في أدبارهن ، وبقول أهل مكة    : في المتعة ، والصرف ، وبقول أهل الكوفة    : في المسكر ، كان شر عباد الله ، وقال أحمد بن أسامة التجيبي    : نا أبي ، سمعت الربيع بن سليمان الجيزي  يقول : أنا  أصبغ    ; قال : سئل ابن القاسم  عن هذه المسألة وهو في الجامع ، فقال : لو جعل لي ملء هذا المسجد ذهبا ما فعلته ، قال : ونا أبي سمعت  الحارث بن مسكين  يقول : سألت ابن القاسم  عنه فكرهه لي . قال : وسأله غيري فقال : كرهه  مالك    . 
. . . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					