[ ص: 301 ] [ درس ] ( باب في الردة وأحكامها ) . ( الردة كفر المسلم ) المتقرر إسلامه بالنطق بالشهادتين مختارا ويكون بأحد أمور ثلاثة ( بصريح ) من القول كقوله أشرك أو أكفر بالله ( أو لفظ ) أي قول ( يقتضيه ) كقوله الله جسم متحيز وكجحده حكما علم من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة وحرمة الزنا ( أو فعل يتضمنه ) أي يقتضي الكفر ويستلزمه استلزاما بينا ( كإلقاء مصحف بقذر ) ولو طاهرا كبصاق أو تلطيخه به والمراد بالمصحف ما فيه قرآن ولو كلمة ، ومثل ذلك تركه به أي عدم رفعه إن وجده به ; لأن الدوام كالابتداء فأراد بالفعل ما يشمل الترك إذ هو فعل نفسي ومثل القرآن أسماء الله وأسماء الأنبياء ، وكذا الحديث كما هو ظاهر وحرق ما ذكر إن كان على وجه الاستخفاف فكذلك ، وإن كان على وجه صيانته فلا ضرر بل ربما وجب وكذا كتب الفقه إن كان على وجه الاستخفاف بالشريعة فكذلك وإلا فلا ( وشد زنار ) بضم الزاي وتشديد النون حزام ذو خيوط ملونة يشد به الذمي وسطه ليتميز به عن المسلم والمراد به ملبوس الكافر الخاص به أي إذا فعله حبا فيه وميلا لأهله وأما إن لبسه لعبا فحرام [ ص: 302 ] وليس بكفر ( وسحر ) عرفه ابن العربي بأنه كلام يعظم به غير الله وينسب إليه المقادير والكائنات ذكره في التوضيح وعلى هذا فقول الإمام رضي الله عنه إن تعلم السحر وتعليمه كفر ، وإن لم يعمل به ظاهر في الغاية إذ تعظيم الشياطين ونسبة الكائنات إليها لا يستطيع عاقل يؤمن بالله أن يقول فيه أنه ليس بكفر وأما إبطاله ، فإن كان بسحر مثله فكذلك وإلا فلا ويجوز الاستئجار على إبطاله حينئذ ، والسحر يقع به تغيير أحوال وصفات وقلب حقائق ، فإن وقع ما ذكر بآيات قرآنية أو أسماء إلهية فظاهر أن ذلك ليس بكفر لكنه يحرم إن أدى إلى عداوة أو ضرر في نفس أو مال وفيه الأدب وإذا حكم بكفر الساحر ، فإن كان متجاهرا به قتل وماله فيء ما لم يتب ، وإن كان يسره قتل مطلقا كالزنديق كما يأتي ( وقول بقدم العالم ) وهو ما سوى الله تعالى لأنه يؤدي إلى أنه ليس له صانع أو أن واجب الوجود تعالى علة فيه وهو يستلزم نفي القدرة والإرادة وهو ظاهر في تكذيب القرآن وتكذيب الرسول ( أو بقائه ) ، وإن اعتقد أنه حادث لما فيه من تكذيب الله ورسوله ( أو شك في ذلك ) أي أتى بما يدل على شكه في ذلك من قوله أو فعل فهو داخل في قوله أو لفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه ( أو ) قول ( بتناسخ الأرواح ) بمعنى أن من مات فإن روحه تنتقل إلى مثله أو أعلى منه إن كانت من مطيع ، فإن كانت من عاص انتقلت إلى مثله أو أدنى ككلب أو هر وهكذا إلى غير نهاية وقيل إلى أن تصل الأولى إلى الجنة والثانية إلى النار فهم ينكرون البعث والحشر وما ثبت عن الشارع من القيامة وما فيها ( أو ) بقوله ( في كل جنس ) من أجناس الحيوان أي أنواعه حتى القردة والخنازير والدود ( نذير ) أي نبي ينذرهم فيكفر ; لأنه يؤدي إلى أن أجناس الحيوانات كلها [ ص: 303 ] مكلفة وهو خلاف الإجماع وإلى أن توصف أنبياء هذه الأجناس بأوصافهم الذميمة وفيه ازدراء بهذا المنصب الشريف ( أو ادعى شركا مع نبوته عليه السلام ) كدعوى مشاركة علي رضي الله عنه وأنه كان يوحى إليهما معا ( أو بمحاربة نبي ) أي قال بجوازها وكفره ظاهر ( أو جوز اكتساب النبوة ) لأنه خلاف إجماع المسلمين ولأنه يستلزم جواز وقوعها بعد النبي صلى الله عليه وسلم ( أو ) ( ادعى أنه يصعد ) بجسده ( للسماء ) أو يدخل الجنة ويأكل من ثمارها ( أو ) ادعى أنه ( يعانق الحور ) العين يقظة فكفر ; لأنهن نساء الجنة فلا يظهرن في الدنيا إجماعا فتأمل ( أو ) ( استحل ) حراما علمت حرمته من الدين ضرورة ( كالشرب ) للخمر أو جحد حل مجمع على إباحته أو وجوب مجمع على وجوبه أي مما علم من الدين ضرورة فلو قال أو جحد حكما علم من الدين ضرورة لكان أحسن فخرج ما أجمع عليه ولم يكن معلوما بالضرورة كوجوب إعطاء السدس لبنت الابن مع وجود البنت وما علم ضرورة وليس من الدين ولا يتضمن تكذيب قرآن أو نبي كإنكار قتل عثمان أو خلافة علي أو وجود بغداد بخلاف إنكار المسجد الحرام أو المسجد الأقصى أو فرعون فإنه كفر ; لأنه تكذيب للقرآن .
[ ص: 301 ]


