[ ص: 348 ] [ درس ] ( باب ) في الحرابة وما يتعلق بها من الأحكام وعقبها للسرقة لاشتراكها معها في بعض حدودها وهو مطلق القطع وليكون المشبه به في قوله الآتي واتبع كالسارق معلوما وعرف المحارب المشتق من الحرابة فيعلم منه تعريفها بقوله ( المحارب قاطع الطريق لمنع سلوك ) علة للقطع أي من قطعها لأجل عدم الانتفاع بالمرور فيها ولو لم يقصد أخذ مال السالكين والمراد بالقطع الإخافة لا المنع وإلا لزم تعليل الشيء بنفسه وسواء كانت الطريق خارجة عن العمران أو داخلة كالأزقة ( أو آخذ ) بالمد اسم فاعل معطوف على قاطع ( مال مسلم أو غيره ) ذمي ومعاهد ولو لم يبلغ نصابا ( على وجه يتعذر معه الغوث ) أي شأنه تعذر الغوث ، فإن كان شأنه عدم تعذره فغير محارب بل غاصب ولو سلطانا وقراءة آخذ بالمد اسم فاعل أولى من قراءته مصدرا لإفادة أنه محارب ولو لم يحصل منه قطع طريق فيشمل مسألة سقي السيكران ومخادعة الصبي أو غيره ليأخذ ما معه ، وجبابرة أمراء مصر ونحوهم يسلبون أموال المسلمين ويمنعونهم أرزاقهم ويغيرون على بلادهم ولا تتيسر استغاثة منهم بعلماء ولا بغيرهم ، ولا يشترط تعدد المحارب ولا قصده عموم الناس بل يعد محاربا ( وإن انفرد بمدينة ) قصد جميع أهلها أم لا ( كمسقي السيكران ) بضم الكاف نبت معلوم ( لذلك ) أي لأجل أخذ المال وأشد منه في تغييب العقل البنج وأشد منه نبت يسمى الداتورة والبنج بفتح الباء الموحدة وسكون النون نبت معروف والكاف للتمثيل إن قرئ آخذ اسم الفاعل وللتشبيه إن قرئ مصدرا ( ومخادع الصبي ) أي المميز إذ هو الذي يخدع ( أو غيره ) أي غير الصبي وهو الكبير أي خدعه حتى أدخله مكانا [ ص: 349 ] ( ليأخذ ما معه ) ولو لم يقتله وقتله من قتل الغيلة ( والداخل ) عطف على مسقي أي وكالداخل ( في ليل أو نهار في زقاق أو دار ) حال كونه ( قاتل ) حين الأخذ ( ليأخذ المال ) وأخذه على وجه يتعذر معه الغوث واحترز بقول قاتل ليأخذ عما لو أخذه ثم علم به فقاتل لينجو به فلا يكون محاربا بل هو سارق إن علم به خارج الحرز لا قبله فمختلس إن نجا به ثم شرع في بيان حد المحارب وأنه أحد أنواع أربعة كما في الآية بقوله ( فيقاتل بعد المناشدة ) والمناشدة مندوبة كما في الحطاب ، ويندب أن تكون ثلاث مرات يقال له ناشدناك الله إلا ما خليت سبيلنا ونحو ذلك ( إن أمكن ) .
فإن عاجل بالقتال قوتل بلا مناشدة بالسلاح أو غيره مما فيه هلاكه فعلم من قوله يقاتل أنه يقتل وهو أحد حدوده الأربع ، والقاتل له إما رب المال حال حرابته له وإما الحاكم ولو بعد حرابته إذا ظفر عليه قبل توبته كما يأتي ( ثم يصلب فيقتل ) عطف على مقدر أي فيقتل ثم إلخ وثم للترتيب الإخباري ولو قال أو يصلب إلخ كان أحسن وأو في الآية للتخيير والمعنى أن الإمام مخير بين أن يقتله بلا صلب أو يصلبه على خشبة ونحوها حيا غير منكوس الرأس ثم يقتله مصلوبا قبل نزوله على الأرجح وهذا هو النوع الثاني من أنواع حده وأشار للثالث بقوله ( أو ) ( ينفى ) الذكر ( الحر ) البالغ العاقل ( كالزنا ) في مسافة البعد كفدك وخيبر من المدينة ولكنه يسجن هنا حتى تظهر توبته أو يموت .
وأما في الزنا فيسجن سنة فالتشبيه ليس بتام ويكون النفي بعد الضرب باجتهاد الإمام ولم يذكره المصنف ( والقتل ) مع الصلب والضرب مع النفي ، ظاهر القرآن خلافه فلعله أخذ منه من المعنى وذلك لأن الحرابة أشد من الزنا بدليل أن الحد فيها أشد والزنا قرن النفي فيه بالجلد ومجرد صلب بلا قتل ليس فيه كبير ردع للمفسدين في الأرض فعلم أنه لا بد من قتله بعده وأشار للرابع بقوله ( أو ) ( تقطع يمينه ) أي يده اليمنى من الكوع ( ورجله اليسرى ) من مفصل الكعبين ( ولاء ) بلا تأخير ولو خيف عليه الموت لأن القتل أحد حدوده [ ص: 350 ] فإن كان مقطوع اليمنى أو أشلها قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى ليكون القطع من خلاف وكذا إن كان أقطع الرجل اليسرى فتقطع يده اليسرى ورجله اليمنى ، فإن لم يكن له إلا يد أو رجل قطعت ، فإن كان له يدان أو رجلان فقط قطعت اليد اليمنى فقط أو الرجل اليسرى فقط وهذه الحدود الأربعة يخير الإمام فيها باعتبار المصلحة في حق الرجال الأحرار .
وأما المرأة فلا تصلب ولا تنفى وإنما حدها القتل أو القطع من خلاف وأما العبد فحده ثلاثة وهي ما عدا النفي كما أشار له المصنف رحمه الله تعالى بقوله أو ينفى الحر ( وبالقتل يجب قتله ) مجردا أو مع صلب ولا يجوز قطعه أو نفيه بقتل حر مسلم بل ( ولو بكافر ) أو عبد ( أو بإعانة ) على القتل بمسك أو شارة بل ولو بتقو بجاهه إذ لولا جاهه ما تجرأ القاتل على القتل فجاهه أعانه عليه حكما


