[ درس ] ( باب في أحكام القذف ) وهو لغة الرمي بالحجارة ونحوها ثم استعمل في الرمي بالمكاره ، ويسمى أيضا فرية بكسر الفاء كأنه من الافتراء والكذب ، وشرعا قال ابن عرفة القذف الأعم نسبة آدمي غيره لزنا أو قطع نسب مسلم والأخص لإيجاب الحد نسبة آدمي مكلف غيره حرا عفيفا مسلما بالغا [ ص: 325 ] أو صغيرة تطيق الوطء لزنا أو قطع نسب مسلم وأشار المصنف لما يفيد تعريفه بقوله ( قذف ) أي رمي ( المكلف ) ولو كافرا أو سكران وهو من إضافة المصدر لفاعله وخرج به الصبي والمجنون فلا حد عليهما إذا قذفا غيرهما وذكر مفعول المصدر وهو المقذوف بقوله ( حرا مسلما ) لوقت إقامة الحد ، فإن ارتد المقذوف فلا حد على قاذفه ولو تاب كما لا حد على قاذف عبد وكافر أصلي ( بنفي نسب عن أب أو جد ) ، وإن علا من جهة الأب ولو كان الأب عبدا أو كافرا كما في المدونة والنفي أعم من أن يكون صريحا أو تلويحا كقوله له أنا معروف بأني ابن فلان أو إشارة كما يأتي ( لا ) عن ( أم ) ; لأن الأمومة محققة لا تنتفي وإنما عليه الأدب للإيذاء ، كما لو قال له يا كافر وأما الأبوة فثابتة بالظن والحكم الشرعي فلا يعلم كذبه في نفيه فتلحقه بذلك المعرة ( ولا إن نبذ ) يعني المنبوذ إذا نفى مكلف نسبة لأب أو جد معين كلست ابن زيد فلا حد على قاذفه بذلك ، وأما لو نفى نسبه مطلقا كابن الزانية أو الزاني أو ابن الزنا فيحد لأنه يلزم من كونه منبوذا أن يكون ابن زنا وقول العتبية عن مالك من قال لمنبوذ يا ابن الزانية لا حد عليه ويؤدب ; لأن أمه لم تعرف ضعيف ، وإن كان [ ص: 326 ] ظاهر المصنف والأوجه ما قاله بعضهم من أنه إذا قال له يا ابن الزنا حد قطعا ، وإن قال له يا ابن الزانية أو الزاني لم يحد كما في العتبية وقوله : إن نبذ أي ما دام لم يستلحقه أحد ، فإن استلحقه أحد لحق به وحد قاذفه حينئذ والحاصل أن القذف نوعان قذف بنفي نسب وقذف بزنا وأن الشروط ثمانية اثنان في القاذف مطلقا وهما البلوغ والعقل وقد أشار المصنف لهما بقوله قذف المكلف ، واثنان في المقذوف مطلقا قذف بنفي نسب أو زنا وهما الحرية والإسلام ، وأربعة تخص الثاني أي المقذوف بالزنا وهي البلوغ والعقل والعفة والآلة ، وقد أشار إلى النوع الثاني والشروط المختصة به بقوله ( أو زنا ) عطف على نفي أي قذف المكلف حرا مسلما بنفي نسب أو بزنا ( إن كلف ) المقذوف أي كان بالغا عاقلا أي بزيادة على شرطي الحرية والإسلام ( وعف ) أي كان عفيفا عن الزنا أو اللواط قبل القذف وبعده لإقامة الحد على قاذفه وهو المراد بقوله ( عن وطء يوجب الحد ) واحترز بقوله يوجب الحد عن وطء لا يوجبه ، وإن أوجب الأدب كوطء بهيمة أو وطء بين فخذين أو في دبر امرأته فشمل كلامه صورتين عدم وطء أصلا وارتكاب وطء لا يوجب حدا فيحد قاذفه إذ هو عفيف عما يوجب الحد ومفهومه أن من ارتكب وطئا يوجب الحد لم يحد قاذفه لأنه غير عفيف فلو قال وعف عن زنا لكان أخصر وأوضح ( بآلة ) حال من نائب فاعل كلف أي حال كون المقذوف ملتبسا بآلة الزنا فمن قذف مجبوبا أو مقطوع ذكر بالزنا فلا حد عليه إذا قطع قبل البلوغ أو بعده ورماه بوقت كان فيه مجبوبا ، فإن رماه بالزنا قبل الجب حد كما هو ظاهر ( وبلغ ) المقذوف فاعلا أو مفعولا به وهذا يغني عنه قوله : كلف لكنه أتى به ليرتب عليه قوله ( كأن بلغت ) المقذوفة ( الوطء ) ، وإن لم تبلغ الحيض فيحد قاذفها للحوق المعرة لها كالكبيرة والذكر المطيق كهي كما قال المصنف فعلم أن المفعول به شرطه إطاقة الوطء ولو لم يبلغ ( أو ) كان المقذوف ( محمولا ) بالحاء المهملة فميم والمحمولون جماعة يرسلهم السلطان لحراسة محل كذا قيل والصحيح [ ص: 327 ] أنهم المسبيون فمن قذف واحدا منهم بزنا أو نفي نسب حد فالمعطوف محذوف تقديره " كان " معطوف على بلغت ( وإن ) ( ملاعنة وابنها ) فمن قذفها بالزنا أو قذف ابنها بنفي نسب حد فقوله : ملاعنة راجع لقذف الزنا وقوله : وولدها راجع لنفي النسب على طريق اللف والنشر المشوش ولم يجعلوا اللعان شبهة تدرأ الحد ( أو ) ( عرض ) بالقذف ( غير أب ) فيحد ( إن أفهم ) تعريضه القذف بالقرائن كالخصام كأن يقول أما أنا فلست بزان أو أنا معروف الأب وأما تعريض الأب لابنه والمراد به الجنس الشامل للجد فلا حد فيه وأما تصريحه بالقذف لابنه فيحد على ما سيأتي للمصنف في قوله وله حد أبيه وفسق والراجح أنه لا حد عليه أيضا .


