النوع التاسع والثلاثون : معرفة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين  
هذا علم كبير قد ألف الناس فيه كتبا كثيرة ، ومن أحلاها      [ ص: 292 ] وأكثرها فوائد كتاب " الاستيعاب "   لابن عبد البر  ، لولا ما شانه به من إيراده كثيرا مما شجر بين الصحابة ، وحكاياته عن الأخباريين لا المحدثين ، وغالب على الأخباريين الإكثار والتخليط فيما يروونه .   
 [ ص: 293 ] وأنا أورد نكتا نافعة - إن شاء الله تعالى - قد كان ينبغي لمصنفي كتب الصحابة أن يتوجوها بها ، مقدمين لها في فواتحها :  
إحداها : اختلف أهل العلم في أن  الصحابي   من ؟ فالمعروف من طريقة أهل الحديث أن كل مسلم رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو من الصحابة .   
قال  البخاري  في صحيحه  : " من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو رآه من المسلمين ، فهو من أصحابه .   
وبلغنا عن   أبي المظفر السمعاني المروزي  أنه قال : " أصحاب الحديث يطلقون اسم الصحابة على كل من روى عنه حديثا أو كلمة ، ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من الصحابة ، وهذا لشرف منزلة النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطوا كل من رآه حكم الصحبة " .   
وذكر أن اسم الصحابي - من حيث اللغة ، والظاهر - يقع على من طالت صحبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكثرت مجالسته له على طريق التبع له والأخذ عنه ، قال : " وهذا طريق الأصوليين " .   
قلت : وقد روينا عن   سعيد بن المسيب   أنه كان لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة أو سنتين ، وغزا معه غزوة أو غزوتين ، وكأن المراد بهذا - إن صح عنه - راجع إلى المحكي عن الأصوليين .   
 [ ص: 294 ] ولكن في عبارته ضيق يوجب ألا يعد من الصحابة   جرير بن عبد الله البجلي  ومن شاركه في فقد ظاهر ما اشترطه فيهم ، ممن لا نعرف خلافا في عده من الصحابة .   
وروينا عن  شعبة  عن  موسى السبلاني     - وأثني عليه خيرا - قال :  أتيت   أنس بن مالك  فقلت : هل بقي من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد غيرك ؟ قال : " بقي ناس من الأعراب قد رأوه ، فأما من صحبه فلا "     .  إسناده جيد ، حدث به  مسلم  بحضرة  أبي زرعة   .   
ثم إن كون الواحد منهم صحابيا تارة يعرف بالتواتر ، وتارة بالاستفاضة القاصرة عن التواتر ، وتارة بأن يروى عن آحاد الصحابة أنه صحابي ، وتارة بقوله وإخباره عن نفسه - بعد ثبوت عدالته - بأنه صحابي ، والله أعلم .   
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					