الثالثة : أكثر الصحابة حديثا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو هريرة روي ذلك عن سعيد بن أبي الحسن وأحمد بن حنبل ، وذلك من الظاهر الذي لا يخفى على حديثي ، وهو أول صاحب حديث .
بلغنا عن أبي بكر بن أبي داود السجستاني قال : " رأيت أبا هريرة [ ص: 296 ] في النوم ، وأنا بسجستان أصنف حديث أبي هريرة فقلت : إني لأحبك ، فقال : " أنا أول صاحب حديث كان في الدنيا " .
وعن أحمد بن حنبل أيضا - رضي الله عنه - قال : " ستة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثروا الرواية عنه وعمروا : أبو هريرة وابن عمر وعائشة وجابر بن عبد الله وابن عباس وأنس ، وأبو هريرة أكثرهم حديثا ، وحمل عنه الثقات " .
ثم إن أكثر الصحابة فتيا تروى ابن عباس ، بلغنا عن أحمد بن حنبل قال : " ليس أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يروى عنه في الفتوى أكثر من ابن عباس " .
وروينا عن أحمد بن حنبل أيضا أنه قيل له : " من العبادلة ؟ " فقال : " عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمرو " . قيل له : " فابن مسعود ؟ " قال : " لا ، ليس عبد الله بن مسعود من العبادلة " .
قال الحافظ أحمد البيهقي فيما رويناه عنه وقرأته بخطه : " وهذا لأن ابن مسعود تقدم موته ، وهؤلاء عاشوا حتى احتيج إلى علمهم ، فإذا اجتمعوا على شيء قيل : هذا قول العبادلة ، أو هذا فعلهم " .
قلت : ويلتحق بابن مسعود في ذلك سائر العبادلة المسمين بعبد الله من الصحابة ، وهم نحو مائتين وعشرين نفسا ، والله أعلم .
وروينا عن علي بن عبد الله المديني قال : " لم يكن من أصحاب [ ص: 297 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد له أصحاب يقومون بقوله في الفقه إلا ثلاثة : عبد الله بن مسعود ، وزيد بن ثابت وابن عباس رضي الله عنهم ، كان لكل رجل منهم أصحاب يقومون بقوله ويفتون الناس " .
وروينا عن مسروق قال : " وجدت علم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى إلى ستة : عمر ، وعلي ، وأبي ، وزيد ، وأبو الدرداء ، وعبد الله بن مسعود ، ثم انتهى علم هؤلاء الستة إلى اثنين : علي ، وعبد الله " .
وروينا نحوه عن مطرف ، عن الشعبي ، عن مسروق ، لكن ذكر أبا موسى بدل أبي الدرداء .
وروينا عن الشعبي قال : " كان العلم يؤخذ عن ستة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان عمر ، وعبد الله ، وزيد ، يشبه علم بعضهم بعضا ، وكان يقتبس بعضهم من بعض ، وكان علي ، والأشعري ، وأبي ، يشبه علم بعضهم بعضا ، وكان يقتبس بعضهم من بعض " .
وروينا عن الحافظ أحمد البيهقي أن الشافعي ذكر الصحابة في رسالته القديمة ، وأثنى عليهم بما هم أهله ، ثم قال : " وهم فوقنا في كل علم ، واجتهاد ، وورع ، وعقل ، وأمر استدرك به علم واستنبط به ، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا " ، والله أعلم .


