( الفرق السابع والعشرون بين قاعدة المواقيت الزمانية وبين قاعدة المواقيت المكانية ) أما المواقيت الزمانية فهي ثلاثة أشهر شوال وذو القعدة وذو الحجة وقيل عشر من ذي الحجة وأصلها قوله تعالى { الحج أشهر معلومات } فقوله { أشهر } صيغة جمع منكر وأقله ثلاثة أو يقال إن الحج ينقضي بالفراغ من الرمي فيكفي عشر من ذي الحجة تخصيصا للصيغة بالواقع وهذا هو مدرك الخلاف وأما ميقات المكان فهو ما في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنه وقت لأهل المدينة ذا الحليفة [ ص: 170 ] ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم وقال هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة } زاد مسلم { ولأهل العراق ذات عرق } فقال مالك رحمه الله يجوز الإحرام بالحج قبل المكاني والزماني غير أنه في الزماني يكره قبله وقال الشافعي رحمه الله لا يجوز قبل الزماني فيحتاج الفريقان إلى الفرق بين القاعدتين إما باعتبار الكراهة وعدمها وإما باعتبار المنع وعدمه والفرق من وجوه لفظية ومعنوية الفرق الأول
من قبل اللفظ وذلك أن القاعدة العربية أن المبتدأ يجب انحصاره في الخبر والخبر لا يلزم انحصاره في المبتدأ كقوله عليه السلام { تحريمها التكبير وتحليلها التسليم } والشفعة فيما لم ينقسم فالتحريم ينحصر في التكبير من غير عكس والتحليل ينحصر في التسليم من غير عكس والشفعة منحصرة فيما لم ينقسم من غير عكس وعلى هذه القاعدة يكون زمان الحج منحصرا في الأشهر لأنه المبتدأ فلا يوجد في غيرها وأما الميقات المكاني فيجعل محصورا مبتدأ لا محصورا فيه لقوله عليه السلام { هن لهن ولمن أتى عليهن } أي المواقيت لإحرام أهل هذه الجهات بدليل قوله ولمن أتى عليهن فالضمير الأول للمواقيت فهو المبتدأ فيكون هو المحصور والمحصور لا يجب أن يكون محصورا فيه بخلاف الميقات الزماني محصور فيه فلا يوجد الإحرام بدونه وفي المكاني محصور فأمكن أن يوجد الإحرام بدونه فهذا فرق جليل من حيث اللفظ فاعتبره الشافعي رحمه الله في المشروعية فلا يوجد الإحرام مشروعا قبل الزماني واعتبره مالك في الكمال فلا يوجد قبل الزماني كاملا بل ناقص الفضيلة الفرق الثاني
أن الإحرام قبل الزماني يفضي إلى طول زمان الحج وهو ممنوع من النساء وغيرهن فربما أدى ذلك إلى إفساد الحج فإن من أحرم قبل شوال لا يمكنه الإحلال حتى [ ص: 171 ] تنقضي أيام الرمي وأما المواقيت المكانية فلا يلزم من الإحرام قبلها طول الحج فلا يكون ذلك وسيلة إلى إفساده الفرق الثالث
أن الميقات المكاني يثبت الإحرام بعده فيثبت قبله تسوية بين الطرفين والميقات الزماني لا يثبت الإحرام بعده بأصل الشريعة بل لضرورة فلا يثبت قبله تسوية بين الطرفين وهذا فرق بينهما بأن سوينا بينهما وهو من الفروق الغريبة .


