ذكر مسير   ابن العميد  إلى  حسنويه   
وفي هذه السنة جهز  ركن الدولة  وزيره   أبا الفضل بن العميد  في جيش كثيف ، وسيرهم إلى بلد  حسنويه     . 
وكان سبب ذلك أن  حسنويه بن الحسن الكردي  كان قد قوي واستفحل أمره   [ ص: 292 ] لاشتغال ركن الدولة بما هو أهم منه ، ولأنه كان يعين الديلم  على جيوش خراسان  إذا قصدتهم ، فكان ركن الدولة يراعيه لذلك ويغضي على ما يبدو منه ، وكان يتعرض إلى القوافل وغيرها بخفارة ، فبلغ ذلك ركن الدولة ، فسكت عنه . 
فلما كان الآن وقع بينه وبين  سهلان بن مسافر  خلاف أدى إلى أن قصده  سهلان  وحاربه ، وهزمه  حسنويه  ، فانحاز هو وأصحابه إلى مكان اجتمعوا فيه ، فقصدهم  حسنويه  وحصرهم فيه ، ثم إنه جمع من الشوك والنبات وغيره شيئا كثيرا ، وفرقه في نواحي أصحاب  سهلان  وألقى فيه النار ، وكان الزمان صيفا ، فاشتد عليهم الأمر حتى كادوا يهلكون ، فلما عاينوا الهلاك طلبوا الأمان فأمنهم فأخذهم عن آخرهم . 
وبلغ ذلك  ركن الدولة  فلم يتحمل له ، فحينئذ أمر   ابن العميد  بالمسير إليه ، فتجهز وسار في المحرم ومعه ولده  أبو الفتح  ، وكان شابا مرحا ، قد أبطره الشباب والأمر والنهي ، وكان يظهر منه ما يغضب بسببه والده ، وازدادت علته ، وكان به نقرس وغيره من الأمراض . فلما وصل إلى همذان  توفي بها ، وقام ولده مقامه ، فصالح  حسنويه  على مال أخذه منه ، وعاد إلى الري  إلى خدمة  ركن الدولة     . 
وكان والده يقول عند موته : ما قتلني إلا ولدي ، وما أخاف على بيت  العميد  أن يخرب ويهلكوا إلا منه . فكان على ما ظن . 
وكان   أبو الفضل بن العميد بن محاسن الدنيا  ، قد اجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره من حسن التدبير ، وسياسة الملك ، والكتابة التي أتى فيها بكل بديع . 
وكان عالما في عدة فنون منها الأدب ، فإنه كان من العلماء به ، ( ومنها حفظ أشعار العرب ، فإنه حفظ منها ما لم يحفظ غيره مثله ) ، ومنها علوم الأوائل فإنه كان ماهرا فيها مع سلامة اعتقاد ، إلى غير ذلك من الفضائل ، ومع حسن خلق ولين عشرة مع أصحابه وجلسائه ، وشجاعة تامة ، ومعرفة بأمور الحرب والمحاصرات ، وبه تخرج  عضد الدولة  ، ومنه تعلم سياسة الملك ، ومحبة العلم والعلماء ، وكان  عمر ابن العميد  قد زاد   [ ص: 293 ] على ستين سنة يسيرا ، وكانت وزارته أربعا وعشرين سنة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					