[ ص: 60 ] ذكر ملك  جمشيد   
وأما علماء الفرس  فإنهم قالوا : ملك بعد  طهمورث  جمشيد  ، والشيد عندهم الشعاع ، وجم القمر ، لقبوه بذلك لجماله ، وهو  جم بن ويونجهان  ، وهو أخو  طهمورث     . 
وقيل : إنه ملك الأقاليم السبعة وسخر له ما فيها من الجن والإنس ، وعقد التاج على رأسه ، وأمر لسنة مضت من ملكه إلى سنة خمس منه بعمل السيوف والدروع وسائر الأسلحة وآلة الصناع من الحديد ، ومن سنة خمسين من ملكه إلى سنة مائة بعمل الإبريسم ، وغزله ، والقطن ، والكتان ، وكل ما يستطاع غزله وحياكة ذلك وصبغه ألوانا ولبسه ، ومن سنة مائة إلى سنة خمسين ومائة صنف الناس أربع طبقات : طبقة مقاتلة ، وطبقة فقهاء ، وطبقة كتاب ، وصناع ، وطبقة حراثين ، واتخذ منهم خدما ، ووضع لكل أمر خاتما مخصوصا به ، فكتب على خاتم الحرب : الرفق والمداراة ، وعلى خاتم الخراج : العمارة والعدل ، وعلى خاتم البريد والرسل : الصدق والأمانة ، وعلى خاتم المظالم : السياسة والانتصاف ، وبقيت رسوم الخواتيم حتى محاها الإسلام . 
ومن سنة مائة وخمسين إلى سنة خمسين ومائتين حارب الشياطين وأذلهم وقهرهم وسخروا له . 
ومن سنة خمسين ومائتين إلى سنة ست عشرة وثلاثمائة وكل الشياطين بقطع الأحجار والصخور من الجبال وعمل الرخام ، والجص ، والكلس ، والبناء بذلك الحمامات ، والنقل من البحار ، والجبال ، والمعادن ، والذهب ، والفضة ، وسائر ما يذاب من الجواهر ، وأنواع الطيب ، والأدوية ، فنفذوا في ذلك بأمره ، ثم أمر فصنعت له عجلة من   [ ص: 61 ] الزجاج ، فأصفد فيها الشياطين ، وركبها ، وأقبل عليها في الهواء من دنباوند إلى بابل  في يوم واحد ، وهو يوم هرمزروز وافروز دين ماه ، فاتخذ الناس ذلك اليوم عيدا وخمسة أيام بعده . وكتب إلى الناس في اليوم السادس يخبرهم أنه قد سار فيهم بسيرة ارتضاها الله ، فكان من جزائه إياه عليها أنه قد جنبهم الحر ، والبرد ، والأسقام ، والهرم ، والحسد ، فمكث الناس ثلاثمائة سنة بعد الثلاثمائة والست عشرة سنة لا يصيبهم شيء مما ذكر . 
ثم بنى قنطرة على دجلة  فبقيت دهرا طويلا حتى خربها  الإسكندر  ، وأراد الملوك عمل مثلها فعجزوا فعدلوا إلى عمل الجسور من الخشب . ثم إن  جما  بطر نعمة الله عليه وجمع الإنس ، والجن ، والشياطين ، وأخبرهم أنه وليهم ، ومانعهم بقوته من الأسقام ، والهرم ، والموت ، وتمادى في غيه ، فلم يحر أحد منهم جوابا ، وفقد مكانه بهاءه وعزه ، وتخلت عنه الملائكة الذين كان الله أمرهم بسياسة أمره ، فأحس بذلك  بيوراسب  الذي تسمى الضحاك ، فابتدر إلى  جم  لينتهسه ، فهرب منه ، ثم ظفر به بعد ذلك  بيوراسب  فاسترط أمعاءه ، ونشره بمنشار . 
وقيل إنه ادعى الربوبية فوثب عليه أخوه ليقتله ، واسمه  أسغتور  ، فتوارى عنه مائة سنة ، فخرج عليه في تواريه  بيوراسب  فغلبه على ملكه . 
وقيل كان ملكه سبعمائة سنة وست عشرة سنة وأربعة أشهر . 
قلت : وهذا الفصل من حديث  جم  قد أتينا به تاما بعد أن كنا عازمين على تركه لما فيه من الأشياء التي تمجها الأسماع ، وتأباها العقول ، والطباع ، فإنها من خرافات الفرس  مع أشياء أخر قد تقدمت قبلها ، وإنما ذكرناها ليعلم جهل الفرس  ، فإنهم كثيرا ما يشنعون على العرب بجهلهم ، وما بلغوا هذا ولأنا لو كنا تركنا هذا الفصل لخلا من شيء نذكره من أخبارهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					