ذكر الحرب بين  ألب أرسلان  وقتلمش     . 
سمع  ألب أرسلان  أن  شهاب الدولة قتلمش  ، وهو من السلجوقية  أيضا ، وهو جد الملوك أصحاب قونية  ، وقيصرية  ، وأقصرا  ، وملطية  ، يومنا هذا ، قد عصى عليه ، وجمع جموعا كثيرة ، وقصد الري  ليستولي عليها ، فجهز  ألب أرسلان  جيشا عظيما وسيرهم على المفازة إلى الري  ، فسبقوا  قتلمش  إليها . 
وسار  ألب أرسلان  من نيسابور  أول المحرم من هذه السنة ، فلما وصل إلى دامغان  أرسل إلى  قتلمش  ينكر عليه فعله ، وينهاه عن ارتكاب هذه الحال ، ويأمره بتركها ، فإنه يرى له القرابة والرحم ، فأجاب قتلمش  جواب مغتر بمن معه من الجموع ، ونهب قرى الري  ، وأجرى الماء على وادي الملح ، وهي سبخة ، فتعذر سلوكها ، فقال  نظام الملك     : قد جعلت لك من  خراسان  جندا ينصرونك ولا   [ ص: 193 ] يخذلونك ، ويرمون دونك بسهام لا تخطئ ، وهم العلماء والزهاد ، فقد جعلتهم بالإحسان إليهم من أعظم أعوانك . 
وقرب السلطان من  قتلمش  ، فلبس  نظام الملك  السلاح ، وعبأ الكتائب ، واصطف العسكران . 
وكان  قتلمش  يعلم علم النجوم ، فوقف ونظر ، فرأى أن طالعه في ذلك اليوم قد قارنه نحوس لا يرى معها ظفرا ، فقصد المحاجزة ، وجعل السبخة بينه وبين  ألب أرسلان  ليمتنع من اللقاء . فسلك  ألب أرسلان  طريقا في الماء ، وخاض غمرته ، وتبعه العسكر ، فطلع منه سالما هو وعسكره ، فصاروا مع  قتلمش  واقتتلوا ، فلم يثبت عسكر  قتلمش  لعسكر السلطان ، وانهزموا لساعتهم ، ومضى منهزما إلى قلعة كردكوه  ، وهي من جملة حصونه ومعاقله ، واستولى القتل والأسر على عسكره ، فأراد السلطان قتل الأسرى ، فشفع فيهم  نظام الملك  فعفا عنهم وأطلقهم . 
ولما سكن الغبار ، ونزل العسكر ، وجد  قتلمش  ميتا ملقى على الأرض لا يدرى كيف كان موته ، قيل : إنه مات من الخوف ، والله أعلم ، فبكى السلطان لموته ، وقعد لعزائه ، وعظم عليه فقده ، فسلاه  نظام الملك  ، ودخل  ألب أرسلان  إلى مدينة الري  آخر المحرم من السنة . 
ومن العجب أن  قتلمش  هذا كان يعلم علم النجوم ، قد أتقنه ، مع أنه تركي ، ويعلم غيره من علوم القوم ، ثم إن أولاده من بعده لم يزالوا يطلبون هذه العلوم الأولية ، ويقربون أهلها ، فنالهم بهذا غضاضة في دينهم ، وسيرد من أخبارهم ما يعلم ( منه ذلك ) وغيره من أحوالهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					