وكان مسير رسول الله    - صلى الله عليه وسلم - لثلاث ليال خلون من شهر رمضان في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، وقيل : أربعة عشر ، وقيل : بضعة عشر رجلا ، وقيل : ثمانية عشر ، وقيل : كانوا سبعة وسبعين من المهاجرين  ، وقيل : ثلاثة وثمانون والباقون من الأنصار    . 
فقيل : جميع من ضرب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسهم من المهاجرين  ثلاثة وثمانون رجلا ، ومن الأوس  أحد وسبعون رجلا ، ومن الخزرج  مائة وسبعون رجلا ، ولم يكن فيهم غير فارسين ، أحدهما   المقداد بن عمرو الكندي  ، ولا خلاف فيه ، والثاني قيل : كان   الزبير بن العوام  ، وقيل كان  مرثد بن أبي مرثد  ، وقيل :  المقداد  وحده ، وكانت الإبل سبعين بعيرا ، فكانوا يتعاقبون عليها البعير بين الرجلين والثلاثة والأربعة ، فكان بين النبي - صلى الله عليه وسلم -  وعلي   وزيد بن حارثة  بعير ، وبين  أبي بكر  وعمر   وعبد الرحمن بن عوف  بعير ، وعلى   [ ص: 15 ] مثل هذا . 
وكان فرس  المقداد  اسمه سبحة ، وفرس  الزبير  اسمه السيل ، وكان لواؤه مع   مصعب بن عميربن عبد الدار  ، ورايته مع   علي بن أبي طالب  ، وعلى الساقة  قيس بن أبي صعصعة الأنصاري     . 
فلما كان قريبا من الصفراء  بعث  بسبس بن عمرو  وعدي بن أبي الزغباء الجهنيين  يتجسسان الأخبار عن  أبي سفيان  ، ثم ارتحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترك الصفراء  يسارا ، وعاد إليه  بسبس بن عمرو  يخبره أن العير قد قاربت بدرا  ، ولم يكن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين علم بمسير قريش  لمنع عيرهم ، وكان قد بعث  عليا  والزبير  وسعدا  يلتمسون له الخبر ببدر  ، فأصابوا راوية لقريش  فيهم  أسلم ، غلام بني الجحجاح   ،  وأبو يسار ، غلام بني العاص      . فأتوا بهما النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم يصلي ، فسألوهما ، فقالا : نحن سقاة قريش  بعثونا نسقيهم من الماء ، فكره القوم خبرهما وضربوهما ليخبروهما عن  أبي سفيان     . فقالا : نحن  لأبي سفيان  ، فتركوهما . وفرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة وقال : إذا صدقاكم ضربتموهما ، وإذا كذباكم تركتموهما ، صدقا ، إنهما لقريش  ، أخبراني أين قريش  ؟ قالا : هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى    . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : كم القوم ؟ قالا : كثير . قال : كم عدتهم ؟ قالا : لا ندري . قال : كم ينحرون ؟ قالا : يوما تسعا ويوما عشرا . قال : القوم بين تسعمائة إلى الألف . 
ثم قال لهما : فمن فيهم من أشراف قريش  ؟ قالا :  عتبة  وشيبة ابنا ربيعة  ،  والوليد   [ ص: 16 ] وأبو البختري بن هشام  ،   وحكيم بن حزام  ،  والحارث بن عامر  ،  وطعيمة بن عدي  ،  والنضر بن الحارث  ،  وزمعة بن الأسود  ،  وأبو جهل  ،  وأمية بن خلف  ،  ونبيه  ومنبه ابنا الحجاج  ،   وسهيل بن عمرو  ،  وعمرو بن عبد ود     . 
فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه وقال : هذه مكة  قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها   . ثم استشار أصحابه ، فقال  أبو بكر  فأحسن ، ثم قال  عمر  فأحسن ، ثم قام   المقداد بن عمرو  فقال : يا رسول الله ، امض لما أمرك الله فنحن معك ، والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا ، إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - يعني مدينة الحبشة    - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه   . 
فدعا لهم بخير ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أشيروا علي أيها الناس - وإنما يريد الأنصار  ؛ لأنهم كانوا عدد الناس ، وخاف أن لا يكون الأنصار  ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة  ، وليس عليهم أن يسير بهم - فقال له   سعد بن معاذ     : لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال : أجل . قال : قد آمنا بك وصدقناك وأعطيناك عهودنا ، فامض يا رسول الله لما أمرت ، فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك ، وما نكره أن تكون تلقى العدو بنا غدا ، إنا لصبر عند الحرب ، صدق عند اللقاء ، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله ! 
فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أبشروا ؛ فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم   . ثم انحط على بدر  فنزل قريبا منها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					