[ ص: 154 ] 431 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدم الأسود والدم الذي ليس كذلك هل يدلان على حقيقة الحيض أو على حقيقة الاستحاضة أم لا ؟
2729 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ، قال : حدثنا محمد بن عمرو ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أن فاطمة ابنة أبي حبيش كانت تستحاض ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن دم الحيض أسود يعرف ، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة ، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي .
[ ص: 155 ] قال أبو جعفر : فكان في هذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة ابنة أبي حبيش باعتبار دمها لتعلم بسواده أنه دم حيض ، ولتعلم برؤيتها إياه بخلاف ذلك أنه دم استحاضة غير أنا كشفنا عن إسناد هذا الحديث ، فلم نجد أحدا يرويه عن عائشة إلا محمد بن المثنى ، وذكر لنا أحمد بن شعيب أنه أنكر عليه لما حدث به كذلك ، وقيل له : إن أحمد بن حنبل قد كان حدث به عن محمد بن أبي عدي ، فأوقفه على عروة ، ولم يتجاوز به إلى عائشة ، فقال : إنما سمعته من ابن أبي عدي من حفظه ، فكان ذلك دليلا على أنه لم يكن فيه بالقوي ، وقوي في القلوب أن حقيقته عن ابن أبي عدي كما حدث به أحمد بن حنبل ، لا كما حدث به هو ، ثم طلبناه من غير هذه الرواية مما يرجع إلى الزهري .
2730 - فوجدنا فهدا قد حدثنا ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن سهيل - يعني : ابن أبي صالح - ، عن الزهري ، عن عروة ، عن أسماء ابنة عميس قالت : قلت : يا رسول الله ، إن فاطمة ابنة أبي حبيش استحيضت منذ كذا وكذا ، فلم تصل ، فقال : سبحان الله هذا من الشيطان لتجلس على مركن ، فإن رأت صفرة فوق الماء ، [ ص: 156 ] فلتغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا ، ثم تغتسل للمغرب والعشاء غسلا واحدا ، وتتوضأ فيما بين ذلك .
فكان في هذا الحديث ذكر ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة ، وليس فيه أمره إياها باعتبار لون الدم ، ثم طلبنا هذا الحديث من غير رواية الزهري .
2731 - فوجدنا محمد بن عمرو بن يونس قد حدثنا ، قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، قال : حدثنا الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، أن فاطمة ابنة أبي حبيش أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله إني أستحاض ، فلا ينقطع عني الدم ، فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها ، ثم تغتسل ، وتتوضأ لكل صلاة وتصلي ، ولو قطر الدم على الحصير قطرا .
[ ص: 157 ]
2732 - ووجدنا صالح بن عبد الرحمن قد حدثنا ، قال : حدثنا المقرئ ، ووجدنا فهدا قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا أبو حنيفة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أن فاطمة ابنة أبي حبيش أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إني أحيض الشهر والشهرين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ذلك ليس بحيض ، وإنما ذلك عرق من دمك ، فإذا أقبل الحيض ، فدعي الصلاة ، وإذا أدبر ، فاغتسلي لطهرك ، ثم توضئي لكل صلاة .
[ ص: 158 ]
2733 - ووجدنا أحمد بن شعيب قد حدثنا ، قال : حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي ، عن حماد - يعني : ابن زيد - ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها : استحيضت فاطمة ابنة أبي حبيش ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إني أستحاض ، فلا أطهر ، أفأدع الصلاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما ذلك عرق وليست بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة ، فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت ، فاغسلي عنك أثر الدم ، وتوضئي ، فإنما ذلك عرق ، وليست بالحيضة ، قيل له : فالغسل ؟ قال : وذاك يشك فيه أحد ؟ .
2734 - ووجدنا محمد بن خزيمة قد حدثنا ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : أنبأنا حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله غير أنه قال : فإذا ذهب قدرها ، فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي .
[ ص: 159 ]
2735 - ووجدنا يونس قد حدثنا ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني عمرو ، وسعيد بن عبد الرحمن ، ومالك ، والليث ، عن هشام بن عروة أنه أخبرهم ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، يعني أن فاطمة ابنة أبي حبيش جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت تستحاض ، فقالت : يا رسول الله إني والله ما أطهر ، أفأدع الصلاة أبدا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما ذلك عرق ، وليست بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة ، فاتركي الصلاة ، وإذا ذهب قدرها ، فاغسلي عنك الدم ، ثم صلي .
ففيما ذكرنا عن عائشة رضي الله عنها في أمر فاطمة ابنة أبي حبيش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمرها بترك الصلاة في أيام الحيضة نفسها ، وذلك دليل على أنها قد كانت تعرف أيامها بغير أمر منه إياها أن تعتبرها بلون دمها ، وقد وجدنا عنها نفسها عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمره إياها في ذلك بما يوافق هذا المعنى ، وبما يخالف ما في حديث ابن أبي عدي .
[ ص: 160 ]
2736 - كما قد حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا شعيب بن الليث .
2737 - وكما حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا أبو الأسود ، قال شعيب : حدثنا الليث ، وقال أبو الأسود : أنبأنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير بن عبد الله ، عن المنذر بن المغيرة ، عن عروة بن الزبير أن فاطمة ابنة أبي حبيش حدثته أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشكت إليه الدم ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما ذلك عرق ، فانظري إذا أتاك قرؤك ، فلا تصلي ، وإذا مر القرء فتطهري ، ثم صلي من القرء إلى القرء .
فكان ذلك أيضا موافقا لما روته عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمرها ، ومخالفا لما في حديث ابن أبي عدي فيه ، ثم اعتبرنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمره غيرها من المستحاضات ، هل فيه شيء من اعتبار لون الدم أم لا ؟ .
2738 - فوجدنا المزني قد حدثنا ، قال : حدثنا الشافعي ، قال : [ ص: 161 ] حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة ابنة جحش كانت تستحاض ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنما ذلك عرق وليست بالحيضة ، فكانت تغتسل وتصلي .
2739 - وحدثنا الربيع الجيزي ، قال : حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : حدثنا الهيثم بن حميد قال : حدثني النعمان ، والأوزاعي ، وأبو معبد حفص بن غيلان ، عن الزهري ، قال : حدثني عروة ، وعمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت : استحيضت أم حبيبة ابنة جحش ، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لها : إن هذه ليست بالحيضة ، ولكنه عرق فتقه إبليس ، فإذا أدبرت الحيضة ، فاغتسلي وصلي ، وإذا أدبرت الحيضة ، فاغتسلي وصلي ، وإذا أدبرت ، فاتركي لها الصلاة .
2740 - ووجدنا سليمان بن شعيب قد حدثنا ، قال : حدثنا بشر بن بكر ، قال : حدثنا الأوزاعي ، قال : حدثني الزهري ، قال : حدثني عروة ، وعمرة ابنة عبد الرحمن [ ص: 162 ] أن عائشة رضي الله عنها قالت : استحيضت أم حبيبة ، ثم ذكر مثله غير أنه لم يقل فيه : فتقه إبليس .
2741 - ووجدنا الربيع المرادي قد حدثنا ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن عروة ، وعمرة ، عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة ابنة جحش استحيضت سبع سنين ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمرها أن تغتسل ، وقال : إن هذا عرق وليست بالحيضة .
2742 - ووجدنا يونس قد حدثنا ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال : حدثني الليث ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها مثله .
فكانت هذه الآثار أيضا خالية من اعتبار لون الدم في هذه القصة ، ووجدنا النظر يدل على أن لا معنى لاعتبار لون الدم ؛ لأنا رأينا الأحداث من الغائط ومن البول لا تعتبر ألوانها ، وإنما الأحكام لها في أنفسها ، لا لألوانها ، ووجدنا دم القرء ، ووجدنا أهل العلم فيه على مذهبين ، فمنهم من يقول : إنه ليس بحدث وهو مذهب أهل المدينة ، [ ص: 163 ] ومنهم من يذهب إلى أنه حدث ، وهو مذهب أهل الكوفة ، وليس أحد منهم اعتبر لونه ، وإنما الحكم عنده فيه لنفسه ، فكان مثل ذلك في النظر دم الحيض يكون حكمه حكم نفسه ، لا حكم لونه ، والله نسأله التوفيق .


