[ ص: 449 ] 712 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجمه من رجمه من اليهود : هل كان ذلك بشهادة من سواهم من اليهود عليهم ؟ وما يدخل في ذلك من قبول شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض ، ومن ردها فإن قال قائل : قد رويتم حديث ابن عمر أن اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة منهم زنيا ، وكان مجيئهم بهما يدل أنهما أتياه باختيارهما ، ويدل ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤالهم أن يأتوا بأربعة شهداء سواهم من المسلمين ليشهدوا على ما رموهما به من ذلك ، وفي تركه لذلك دليل على قبوله شهادة من جاء بهم إليه من اليهود عليهم بذلك ، وكذلك في حديث البراء لما مر عليه صلى الله عليه وسلم باليهودي المحمم رأسه ، فأعلموه بالزنى الذي كان منه حتى فعلوا ذلك به من أجله ، وليس فيه إقرار من ذلك اليهودي بما ذكروه عنه من ذلك ، ولا تصديق له إياهم [ ص: 450 ] عليه ، وإنما كان منهم إعلامهم النبي صلى الله عليه وسلم ما كان منه ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك : " أنا أولى من أحيا ما أماتوا من أمر الله " ، فرجمه . ففي ذلك ما قد دل على قبول شهاداتهم كانت عليه بذلك . فكان جوابنا له في ذلك أن الأمر في ذلك كما ذكروا فيه ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بأكشف من هذين الحديثين .
4545 - كما حدثنا روح بن الفرج ، حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي ، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان الرازي ، أخبرنا مجالد ، عن عامر ، عن جابر قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي ويهودية قد زنيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود : ما يمنعكم أن تقيموا عليهما الحد ؟ " فقالوا : قد كنا نفعل إذ كان الملك لنا وفينا ، فأما إذ ذهب ملكنا ، فلا نجترئ على القتل ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ائتوني بأعلم رجلين منكم " ، فأتوه بابنيصوريا ، فقال لهما : " أنتما أعلم من وراءكما ؟ " قالا : كذلك يقولون ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنشدكما بالذي أنزل التوراة على موسى ، كيف تجدون حدهما في التوراة ؟ " فقالا : نجد في التوراة : الرجل يقبل المرأة زنية ، وفيه عقوبة ، والرجل يوجد على بطن المرأة زنية ، وفيه عقوبة ، فإذا شهد أربعة نفر أنهم رأوه يدخله في فرجها كما يدخل الميل في المكحلة رجما ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ائتوني بشهود " ، فشهد أربعة منهم على ذلك ، فرجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 451 ] قال أبو جعفر : وكذلك وجدنا المتقدمين من أئمة الأمصار في الفقه في قبول شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض وإن كانوا قد اختلفوا في ذلك مع اختلاف مللهم ، فأما في اتفاقها ، فلم يختلفوا في ذلك ، منهم شريح ، وهو قاضي الخلفاء الراشدين المهديين ; عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم .
كما قد حدثنا الحسين بن نصر ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن شيخ ، عن يحيى بن وثاب ، عن شريح أنه كان يجيز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض .
[ ص: 452 ] ومنهم : عمر بن عبد العزيز مع علمه وأمانته وموضعه من الإسلام .
كما قد حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، أخبرنا عمرو بن ميمون أن عمر بن عبد العزيز أجاز شهادة مجوسي على نصراني ، ونصراني على مجوسي .
ومنهم : الشعبي .
كما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا أبو عامر العقدي ، عن سفيان ، عن أبي الحصين ، عن الشعبي أنه كان يجيز شهادة النصراني [ ص: 453 ] على اليهودي ، واليهودي على النصراني .
وكما حدثنا الحسين بن نصر ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن الشعبي أنه كان يجيز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض .
ومنهم : ابن شهاب الزهري .
كما حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب قال : تجوز شهادة النصراني واليهودي بعضهم على بعض ، ولا تجوز شهادة اليهودي على النصراني ، ولا النصراني على اليهودي . ، [ ص: 454 ]
وكما حدثنا إبراهيم بن منقذ ، حدثني إدريس بن يحيى ، عن بكر بن مضر ، عن يونس ، عن ابن شهاب قال : كان يقول : شهادة النصراني على النصراني ، وكان يرى شهادة اليهودي على النصراني ، أو النصراني على اليهودي لا تجوز .
ومنهم : يحيى بن سعيد الأنصاري .
كما حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، حدثني معاوية بن صالح أنه سمع يحيى بن سعيد يقول : .... ثم ذكر مثل حديثه عن ابن وهب ، عن [ ص: 455 ] يونس ، عن ابن شهاب سواء .
قال أبو جعفر : وقد تمسك بذلك من قولهم الليث بن سعد .
كما قد حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب قال : سمعت الليث يقول ذلك ، يعني مثل الذي ذكره ، عن ابن شهاب ويحيى بن سعيد .
قال أبو جعفر : وهؤلاء أئمة الأمصار وفقهاؤهم .
وقد سمعت يونس يقول : سمعت ابن وهب يقول : خالف مالك بن أنس معلميه في رد شهادة النصارى بعضهم على بعض ، كان ابن شهاب ويحيى بن سعيد وربيعة يجيزونها .
قال أبو جعفر : ولقد سمعت أحمد بن أبي عمران يقول : سمعت يحيى بن أكثم يقول - وذكر هذا الباب - ، فقال : جمعت فيه قول مائة فقيه من المتقدمين في قبول شهادات أهل الكتاب بعضهم على بعض ، وما وجدت فيه اختلافا من أمثالهم لهم في ذلك إلا عن ربيعة ، فإني وجدت عنه قبولها ، ووجدت عنه ردها .
وقال قائل : كيف يجوز قبول شهادتهم مع الكفر الذي هم عليه بالله عز وجل ؟ قال : وإذا كان فساقنا بما هو دون الكفر لا تقبل شهادتهم ، كان الكفار من غيرنا أحرى أن لا تقبل شهادتهم .
فكان جوابنا له في ذلك أن الكفر الذي أهل الكتاب عليه لم [ ص: 456 ] يخرجهم من حال ولاية بعضهم بعضا في تزويج بناتهم ، وفي الولاية على صغارهم ممن هم آباؤهم في البيع لهم ، وفي الابتياع لهم ، وكان مثل ذلك لا يجوز من فساقنا في أمثال من ذكرنا من أبنائهم ، وكان من كان من فساقنا واجب علينا منابذته ، وترك إقراره على ما هو عليه من فسقه حتى نزيله عنه إلى الواجب عليه بالشريعة التي هو من أهلها ، وكان أهل الكتاب بخلاف ذلك ، إذ كانوا مخلين على حكم شريعتهم غير مأخوذين بترك ذلك ، ولا بالزوال عنه إلى غيره ، وإذا كانوا فيما ذكرنا كذلك ، كانوا بخلاف الفساق منا ، وكانوا في سائر ما في شريعتهم كنحن في ما توجبه شريعتنا ، وممن كان يذهب إلى هذا القول أبو حنيفة وابن أبي ليلى والثوري ، وسائر الكوفيين سواهم ، إلا ما يختلفون فيه من مللهم إذا اختلفت ، فإن أبا حنيفة كان لا يراعي ذلك ، وتابعه عليه أصحابه ، وكان ابن أبي ليلى وكثير منهم يخالفونهم في ذلك ، ولا يقبلون شهادة أهل ملة منهم على غيرهم ، وبالله التوفيق .


