[ ص: 182 ] 502 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعنى الذي يحل به لمن اشترى طعاما جزافا أن يبيعه
3149 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا نصر بن علي ( ح ) وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا نصر بن علي ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : رأيت الناس يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم .
قال : فكان في هذا الحديث نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتاعي الطعام جزافا أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم ، وكان ما حولوه إليه من الأماكن رحالا للذين حولوه إليها .
[ ص: 183 ]
3150 - وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن هاشم البعلبكي ، قال : حدثنا شريح بن عبد العزيز ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : كان أصحاب الطعام يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا الطعام مجازفة ، فباعوه [ قبل ] أن يؤووه إلى رحالهم .
3151 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا محمد بن هاشم ، قال : حدثنا الوليد ، قال : حدثنا الأوزاعي ، ثم ذكر بإسناده مثله .
فاختلف إسحاق وأحمد في الذي حدث به محمد بن هاشم هذا الحديث عنه ، عن الأوزاعي من هو كما ذكرنا ، وكان معنى هذا الحديث كمعنى الحديث الذي قبله .
3152 - حدثنا محمد بن سنان ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن نجدة [ ص: 184 ] الحوطي ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، ثم ذكر بإسناده مثله .
3153 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عمرو بن أبي رزين ، قال : حدثنا الأوزاعي ، عن الزهري ، قال : حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، ثم ذكر مثله .
قال : فكان في إسناد هذا الحديث خلاف ما في أسانيد ما رويناه قبله مما يرجع إلى الأوزاعي ؛ لأن في هذا عن الزهري ، عن حمزة ، وفي ما قبله عن الزهري ، عن سالم وهو الصحيح ، لا اختلاف بين أهل العلم بالأسانيد فيه .
وكذلك رواه غير الأوزاعي ، عن الزهري منهم معمر على ما ذكرناه في الحديث الذي في أول هذا الباب .
3154 - وعلى ما قد حدثنا عبيد بن رجال ، قال : حدثنا أحمد بن [ ص: 185 ] صالح ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : رأيت الناس يضربون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ابتاعوا الطعام جزافا أن يبيعوه حتى يحوزوه .
3155 - وعلى ما قد حدثنا عبيد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا عنبسة بن خالد ، قال : حدثني يونس ، عن الزهري ، قال : أخبرني سالم ، عن أبيه ، ثم ذكر مثله .
ومنهم صالح بن كيسان .
3156 - كما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا أبو داود الحراني ، قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الزهري ، قال : حدثنا أبي ، عن صالح - يعني ابن كيسان - ، عن ابن شهاب ، أن سالما أخبره ، أن ابن عمر ، قال : رأيت الناس ، ثم ذكر مثله ، غير أنه قال : حتى يؤووه إلى رحالهم .
[ ص: 186 ] وقد روي هذا الحديث أيضا عن نافع ، عن ابن عمر .
3157 - كما حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا المعلى بن منصور الرازي ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : كنا نتلقى الركبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنشتري منهم الطعام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تبيعوه حتى تستوفوه وتنقلوه .
فكان هذا الحديث عندنا غير مخالف لما رويناه قبله ؛ لأن كل موضع نقل إليه فهو رحل لناقله إليه .
3158 - وكما حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنه ، قال : كنا نتلقى الركبان ، فنشتري منهم الطعام جزافا ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى نحوله من مكانه أو ننقله .
[ ص: 187 ] فمعنى هذا الحديث يرجع إلى معنى حديث أبي أمية .
3159 - وكما حدثنا الربيع الجيزي ، قال : حدثنا حسان بن غالب ، قال : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه ، حتى يبلغوه حيث يبيعون الطعام .
فقد يحتمل أن تكون المواضع التي كانوا يحولونه إليها مواطن لبيع الطعام .
3160 - وكما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا يحيى بن محمد بن السكن البصري ، قال : حدثنا محمد بن جهضم ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن عمر بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث [ ص: 188 ] رجالا يمنعون أصحاب الطعام أن يبيعوه حيث يشترونه ، حتى ينقلوه إلى مكان آخر .
3161 - وكما حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن تباع السلع حيث تشترى ، حتى يحوزها الذي اشتراها إلى رحله ، وإن كان ليبعث رجالا ، فيضربوننا على ذلك .
قال : فكان هذا الحديث موافقا لما رواه موسى بن عقبة عليه ، وكان الذي خالفوه في ذلك أيوب ، وعبيد الله ، وعمر بن نافع ، ومالك بن أنس ، وإن كنا لم نذكره ، فإنا سنذكره في آخر هذا الكلام ، فكان هذا عندنا [ أولى ] ؛ لأن أربعة أولى بالحفظ من اثنين .
فأما حديث مالك . :
[ ص: 189 ]
3162 - فإن يزيد حدثنا قال : حدثنا بشر بن عمر ، قال : حدثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : كنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتاع الطعام ، فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه .
3163 - كما حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، عن مالك ... ثم نظرنا : هل روي عن ابن عمر خلاف هذا مما يدخل في هذا الباب ؟
3164 - فوجدنا يونس قد حدثنا ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عبيد الله بن عمر ، وعمر بن محمد ، ومالك : أن نافعا حدثهم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من اشترى طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه .
قال : فكان معنى " حتى يستوفيه " حتى يستوفي كيله إن كان [ ص: 190 ] مكيلا أو وزنه إن كان موزونا ، أو عدده إن كان معدودا ، وكان في ذلك محولا له من موضع إلى موضع ، فكان مثل ذلك ما اشتراه جزافا أريد فيه تحويله من موضع إلى موضع حتى يحل بيعه بعد ذلك .
3165 - فوجدنا أبا أمية قد حدثنا ، قال : حدثنا الحسين بن محمد المروزي ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، عن أبي الزناد ، عن عبيد بن حنين ، عن عبد الله بن عمر ، قال : ابتعت زيتا بالسوق فقام إلي رجل فأربحني حتى رضيت ، فلما أخذت بيده لأضرب عليها أخذ بذراعي رجل من خلفي وأمسك يدي ، فالتفت فإذا زيد بن ثابت ، فقال : لا تبعه حتى تحوزه إلى بيتك ، فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك .
3166 - ووجدنا ابن أبي داود قد حدثنا قال : حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ، قال : حدثنا ابن إسحاق ، عن أبي الزناد ، عن عبيد بن حنين ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : ابتعت زيتا بالسوق ، فلما استوجبته لقيني رجل فأعطاني به ربحا حسنا ، فأردت أن أضرب على يده ، فأخذ رجل من خلفي بذراعي ، فالتفت إليه فإذا زيد بن ثابت ، فقال : لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك ، فإن رسول [ ص: 191 ] الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم .
فكان جرير وابن إسحاق قد اختلفا في لفظ هذا الحديث ، فقال أحدهما : إلى رحلك ، وقال الآخر : إلى بيتك ، فعاد ذلك إلى معنى ما رويناه قبله ، وثبت بتصحيح هذه الآثار أن لا يباع ما ابتيع مجازفة حتى يحول من المكان الذي ابتيع فيه إلى مكان سواه .
وهكذا كان الشافعي يذهب إليه في هذا المعنى ، وفيما ذكرنا من ذلك ما قد دل على أن ما لا يحتمل النقل من مكان إلى مكان كالآدر والأرضين يجوز بيعها بعد ابتياعها بغير قبض لها ؛ لأنها لا يتهيأ فيها المعنى الذي تهيأ في غيرها من النقل الذي يقوم مقام الكيل فيما يكال .
وهكذا كان أبو حنيفة يذهب إليه في بيع الآدر والأرضين المبتاعة قبل قبضها ممن باعها ، والله نسأله التوفيق .
فقال قائل : فقد رويتم عن عبد الله بن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهيه عن بيع الطعام حتى يستوفى ، ورويتم عنه عن رسول الله [ ص: 192 ] صلى الله عليه وسلم أيضا نهيه في ابتياع الجزاف من الطعام أن يباع حتى ينقل إلى مكان آخر ، فكان في ذلك حكم بيع الطعام المشترى كيلا ، وحكم بيع الطعام المشترى جزافا .
ثم رويتم عنه فيه أيضا في حديث عبيد بن حنين عنه ابتياعه زيتا بالسوق ، وأنه أراد بيعه لما أعطي به من الربح ما أعطيه ، فأخذ زيد بن ثابت بيده من خلفه ، فنهاه عن ذلك ، وأخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أخبره به فيه عنه ، فما كانت حاجته في ذلك إلى زيد حتى أخذ ذلك عنه وحدث به بعد ذلك .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه قد يحتمل أن يكون ابن عمر لم يكن يرى الزيت من الطعام ، إذ كان حكمه الائتدام به لا الأكل له ، وكان مذهبه حل بيع ما اشتري قبل قبضه من غير الطعام ، فلم ير ببيعه لذلك قبل قبضه إياه بأسا ، حتى حدثه زيد بما حدثه به ، فعلم به أنه كالطعام المأكول المشترى ، لا كالأشياء المبيعة سوى ذلك ، فانتهى إلى ما حدثه به زيد فيه ، وامتنع من بيعه حتى يكون منه فيه ما حدثه زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر به فيه ، والله عز وجل نسأله التوفيق .


