[ ص: 265 ] 48 - باب بيان مشكل ما روي { عن رسول الله عليه السلام في جوابه كان لزوجتيه أم سلمة وميمونة رضوان الله عليهما لما دخل عليه ابن أم مكتوم الأعمى وهما عنده بعدما أنزل الحجاب : احتجبا منه . فقلنا : يا رسول الله ، إنه أعمى لا يرانا ولا يعرفنا ، ومن قوله لهما : أعمياوان أنتما }
288 - حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، حدثني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن { نبهان مولى أم سلمة ، أن أم سلمة أخبرته أنها كانت عند رسول الله عليه السلام ، وميمونة قالت : فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم ، فدخل عليه ، وذلك بعد أن أمر بالحجاب . فقال رسول الله عليه السلام : احتجبا منه ، فقلنا : يا رسول الله ، أليس هو أعمى ، لا يبصرنا ولا يعرفنا ؟ فقال رسول الله عليه السلام : أفعمياوان أنتما ، ألستما تبصرانه . } ؟
289 - حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا [ ص: 266 ] عبد الرزاق ، حدثني ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري ، عن نبهان مولى أم سلمة ، { عن أم سلمة قالت : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة ، فاستأذن ابن أم مكتوم ، وذلك بعد الحجاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوما ، فقلت : يا رسول الله ، إنه أعمى لا يبصرنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفعمياوان أنتما ؟ } .
فكان في هذا الحديث ما قد دل أن الله عز وجل لما حجب أمهات المؤمنين عن الناس ، فمنعهم من رؤيتهن بقوله تعالى : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب أنه قد كان في [ ص: 267 ] ذلك حجب الناس عنهن كما حجبهن عن الناس ، وأنه حرام عليهن النظر إلى الناس الذين يحرم عليهم النظر إليهن ، فدخل في ذلك العميان والبصراء جميعا ، فتوهم متوهم أن ما في هذا الحديث مما ذكرنا ما قد خالف ما في الحديث المروي في أمر عائشة رضوان الله عليها . :
290 - وهو ما حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، حدثني عمرو بن الحارث ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة قالت : { رأيت رسول الله عليه السلام يسترني بردائه ، وأنا أنظر إلى الحبشة ، وهم يلعبون وأنا جارية ، فاقدروا قدر الجارية العربة الحديثة السن } .
291 - وما قد حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب قال : قال عمرو ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عائشة { وكان يوما عندي تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلعب السودان بالدرق والحراب ، فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإما قال : تنظرين ؟ فقلت : نعم ، فأقامني وراءه حذاء خده ، وهو يقول : دونكم يا بني أرفدة ، حتى إذا مللت . قال : حسبك ؟ قلت : نعم . قال : اذهبي } .
[ ص: 268 ]
292 - حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، وحدثني بكر بن مضر ، عن ابن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : { دخل الحبشة المسجد يلعبون فقال لي : يا حميراء ، أتحبين أن تنظري إليهم ؟ فقلت : نعم ، فقام بالباب ، وجئته فوضعت ذقني على عاتقه ، وأسندت وجهي إلى خده ، ومن قولهم يومئذ : أبا القاسم ، طيبا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حسبك . فقلت : يا رسول الله ، لا تعجل ، فقام ، ثم قال : حسبك . فقلت : لا تعجل يا رسول الله ، قالت : وما بي حب النظر إليهم ، ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ، أو مكاني منه } .
293 - وما قد حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، حدثنا بشر بن بكر ، حدثني الأوزاعي ، حدثني ابن شهاب ، حدثني سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : { دخل عمر بن الخطاب والحبشة يلعبون في المسجد ، فزجرهم ، فقال رسول الله عليه السلام : دعهم يا عمر ، [ ص: 269 ] فإنهم بنو أرفدة } .
فكان جوابنا له عن ذلك أن ما في حديث عائشة هذا لم يبن لنا مضادته لحديث أم سلمة وميمونة الذي رويناه في الفصل الأول من هذا الباب ، وكان ما في حديث أم سلمة وميمونة مكشوف المعنى ، وموقوفا به على أنه كان بعد نزول الحجاب ، وعلى أن ما فيه مما خاطب به رسول الله عليه السلام أم سلمة وميمونة زوجتيه كان لامرأتين بالغتين قد لحقهما العبادة ، وكان حديث عائشة لا ذكر فيه لتقدم نزول الحجاب في نساء رسول الله عليه السلام عن الناس ، وفي حجاب الناس عنهن ، وليس لأحد أن يحمله على أنه كان بعد نزول الحجاب إلا كان لمخالفه أن يحمله على أنه كان قبل نزول الحجاب فيتكافآن في ذلك ، وإذا تكافآ فيه ارتفع ، وقد يحتمل أيضا أن يكون ما في حديث عائشة كان وهي حينئذ لم تبلغ مبلغ النساء ، فلم يلحقها العبادات ، فكان ذلك الذي كان منها كان ، ولا تعبد عليها .
فقال هذا القائل : وفيما رويتم عن عائشة ما يجب دفعه وترك قبوله ؛ لأن فيه لعب السودان بالدرق في مسجد رسول الله عليه السلام ، وذلك من اللهو الذي لا يصلح في غيره من المساجد ، وكيف فيه على تجاوز حرمته حرمتهم غير المسجد الحرام ، ووصل ذلك بما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 270 ]
294 - مما قد حدثناه علي بن معبد ، حدثنا عبد الله بن بكر السهمي . قال أبو جعفر : لم يكن هذا من سهم قريش ، كان من سهم باهلة عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ،
وما قد حدثنا علي بن شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حميد ، عن أنس بن مالك قال : { قدم رسول الله عليه السلام المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية ، فقال : إن الله أبدلكما بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم النحر } .
وكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله : أن الذي في حديث عائشة مما كان من السودان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من اللهو المذموم ؛ لأنه مما يحتاج إليه من أمثالهم في الحرب ، فذلك محمود منهم في المسجد ، وفيما سواه ، والذي في حديث أنس مما كانوا يفعلونه في الجاهلية من اللعب كان على جهة اللهو ، مما لا يقابل بمثله عدو ولا منفعة فيه للإسلام ، ولا لأهله ، فذلك مذموم من أهله ، غير محمود منهم ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صنف من اللهو الذي يرجع إليه أنه آلة في حرب العدو ، وأنه محمود .
295 - كما حدثنا بكار ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلام ، عن عبد الله بن زيد الأزرق ، عن عقبة بن عامر ، عن رسول الله عليه السلام قال : { إن الله [ ص: 271 ] عز وجل يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة : صانعه يحتسب في صنعته الأجر ، والرامي به ، والمنبله ، فارموا واركبوا ، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا ، وليس من اللهو إلا ثلاثة : تأديب الرجل فرسه ، ومداعبته امرأته ، ورميه بقوسه ، ومن ترك الرمي بعد ما علمه كانت نعمة كفرها } .
[ ص: 272 ]
296 - وحدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا مروان بن معاوية ، حدثنا هشام بن زكريا بإسناده .
297 - وكما حدثنا الربيع ، حدثنا بشر بن بكر ، حدثنا أبو رجاء ، حدثني أبو سلام ، حدثني خالد بن زيد قال : قال لي عقبة بن عامر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم . .. ثم ذكر مثله .
وكان ما قد رويناه من حديث عقبة هذا قد دل على أن ما كان من اللهو مما يراد به تعليم آلة الحرب مما هو مأمور به ، محمود عليه أهله ، فبان مما ذكرنا بتوفيق الله وعونه أن لا شيء فيما رويناه في هذا الباب عن رسول الله عليه السلام مضاد لشيء مما رويناه عنه فيه ، وأن كل نوع منه فلمعنى أراده صلى الله عليه وسلم به ، وأن تمييز ذاك ووضعه مواضعه يؤخذ من أهل العلم بمثله ، لا ممن سواهم ، والحمد لله .


