[ ص: 407 ] 465 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يقضي بين المختلفين من أهل العلم في الواجب على قاذف الجماعة ، هل هو حد واحد ، أو حد لكل واحد منهم ؟
2961 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، عن مخلد بن حسين ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن هلال بن أمية قذف شريك بن سحماء بامرأته ، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إيت بأربعة يشهدون ، وإلا فحد في ظهرك ، فقال : والله يا رسول الله ، إن الله يعلم إني لصادق ، قال : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له : أربعة ، وإلا حد في ظهرك ، قال : والله يا رسول الله إن الله يعلم إني لصادق ، ولينزلن الله عليك ما يبرئ ظهري من الحد ، قال : فنزلت آية اللعان .
[ ص: 408 ]
2962 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، قال : حدثنا بندار ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ، قال : أخبرنا هشام ، قال : حدثني عكرمة ، عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : البينة أو حد في ظهرك ، فقال : يا رسول الله ، إذا وجد أحدنا رجلا على امرأته ، التمس البينة ! قال : فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : البينة ، وإلا فحد في ظهرك ، فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ، ولينزلن في أمري ما يبرئ ظهري من الجلد ، فنزلت آية اللعان .
ففي هذين الحديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قوله لهلال بن أمية لما [ ص: 409 ] قذف امرأته بشريك بن سحماء قذفا صار به قاذفا لها ، ولشريك بن سحماء : البينة ، وإلا فحد في ظهرك ، أو ائت بأربعة يشهدون ، وإلا فحد في ظهرك ، لما كان الحكم في ذلك الوقت على الزوج إذا قذف امرأته برجل صار به قاذفا لها ، ولذلك الرجل إتيان ما أمره أن يأتي به في كل واحد من هذين الحديثين ، وإلا فحد في ظهرك .
ففي ذلك ما قد دل على أن الذي كان وجب عليه في قذفهما جميعا حد واحد ، كما يقول في ذلك أبو حنيفة ، ومالك ، وأصحابهما ، لا كما يقوله من سواهما في ذلك ممن يقول : عليه لكل واحد منهما حد ، وهذا موافق لما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا في قذف عائشة رضي الله عنها ، وقذف الذين رموها به أن حد كل واحد منهم لذلك حدا واحدا لا حدين .
2963 - كما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا عياش بن الوليد الرقام ، قال : حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة ابنة عبد الرحمن ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، خرج فجلس على المنبر ، فتلا على الناس ما أنزل الله : إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم - إلى قوله - عذاب عظيم ، قال : ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر برجلين وامرأة ، فضربوا حدهم ثمانين ثمانين ، وهم [ ص: 410 ] الذين تولوا كبر ذلك ، وقالوا بالفاحشة : حسان ومسطح وحمنة .
قال أبو جعفر : وقد كان أيضا ممن ذهب إلى هذا القول فوق ما ذكرنا من أهل العلم : عروة بن الزبير ، كما حدثنا يونس ، قال : أنبأنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنه قال في رجل قذف جماعة : إنه ليس عليه إلا حد واحد ، ولا نعلم عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا من تابعيهم في هذا المعنى خلاف هذا القول ، والله سبحانه وتعالى نسأله التوفيق .


