559 - باب بيان مشكل ما روي عن ابن عباس وعن جابر في قولهما : ما ندري بكم رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة من الحصى ، ثم ما روى غيرهما مما فيه ذكر عدد ما رماها به
حدثنا أبو القاسم هشام بن محمد بن قرة بن أبي خليفة الرعيني ، قال : حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي ، قال 3504 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن المبارك ، قال : حدثنا خالد بن الحارث ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، قال : سمعت أبا مجلز يقول : سألت ابن عباس عن شيء من أمر الجمار ، فقال : ما أدري ، رماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو بسبع .
[ ص: 127 ]
3505 - وحدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أمية بن بسطام ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن أبي مجلز قال : سألت ابن عباس عن رمي الجمار ، فقال : والله ما أدري بكم رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو بسبع .
3506 - وحدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا سعيد بن سالم ، عن ابن جريج ، قال : حدثني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : لا أدري بكم رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3507 - وحدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا عثمان بن الهيثم ، [ ص: 128 ] قال : حدثنا ابن جريج ، قال أخبرني أبو الزبير .
أنه سمع جابرا يقول : لا أدري بكم رمى النبي صلى الله عليه وسلم .
قال أبو جعفر : فتأملنا حديث ابن عباس في ذلك ، وهل روي في عدد الحصى التي رمى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة عدد معلوم ؟
3508 - فوجدنا فهدا قد حدثنا ، قال : حدثنا يوسف بن منازل الكوفي ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده علي بن حسين ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، عن الفضل بن العباس ، قال : كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرمى جمرة العقبة بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة منهن .
فعقلنا بذلك أن ابن عباس إنما أخبر بذلك في الحديث الأول [ ص: 129 ] عن درية نفسه ، ثم أخبر في الحديث الثاني بحقيقة عدد ما رماها به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه سبع حصيات .
3509 - ووجدنا الربيع المرادي قد حدثنا ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، أنه سمع جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة ، مثل حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف .
فاحتمل في جابر بن عبد الله فيما روينا عنه مثل الذي وقفنا عليه فيما رويناه عن ابن عباس مما لم يقف على حقيقة عدده ، ووقف عليه بغيره .
وقد تعلق قوم بحديثي ابن عباس وجابر اللذين رويناهما في صدر هذا الباب ، فأباحوا بذلك للحاج أن يرمي الجمرة بما شاء من الحصى بغير عدد قصد إليه ، قصر عن السبعة أو تجاوزها ، وذكر في ذلك الرجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ما قد حدثنا فهد ، قال : حدثنا عثمان بن الهيثم ، قال : أخبرنا ابن [ ص: 130 ] جريج قال : أخبرني محمد بن يوسف مولى عمرو بن عثمان ، أن عبد الله بن عمرو بن عثمان أخبره ، أنه سمع أبا حبة الأنصاري يقول : لا بأس بما رمى به الإنسان الجمرة من الحصى ، يقول من عدده ، فجاء عبد الله بن عمرو - زعموا - إلى عبد الله بن عمر ، فقال : إن أبا حبة الأنصاري يفتي الناس بأن لا بأس بما رمى به الإنسان من حصى الجمرة ، يقول : من عدده . قال ابن عمر : صدق أبو حبة . وأبو حبة من أهل بدر .
وذكروا في ذلك أيضا .
3510 - ما قد حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي ، قال : حدثنا [ ص: 131 ] أبو معاوية الضرير ، عن حجاج ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، قال : قدمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجته ، منا من رمى بسبع وأكثر وأقل ، فلم يعب ذلك علينا .
3511 - وما قد حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا يحيى بن موسى ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، قال : قال مجاهد : قال سعد : رجعنا في الحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعضنا يقول : رميت بسبع ، وبعضنا يقول : رميت بست ، فلم يعب بعضهم على بعض .
قال أبو جعفر : والذي في هذا الحديث يخالف ما في الحديث الذي قبله ; لأن في الحديث الذي قبله ما يوجب إيصاله بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والذي في هذا الحديث لا يوجب ذلك ، وهذا الحديث أثبت من الحديث الأول ; لأن الذي روى الحديث الأول عن ابن أبي نجيح الحجاج بن أرطاة ، ولم يذكره سماعا ، وما لم يذكره الحجاج سماعا فإنهم يطعنون فيه . والحديث الثاني فمن حديث ابن عيينة ، وهو أثبت الناس في ابن أبي نجيح .
[ ص: 132 ] ثم تأملنا ما روي في رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم به الجمار من الحصى عن غير سعد وابن عباس وجابر .
3512 - فوجدنا يزيد بن سنان قد حدثنا ، قال : حدثنا عثمان بن عمر بن فارس ، قال : حدثنا يونس بن يزيد ، عن الزهري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى الجمرة الأولى التي تلي مسجد منى رماها بسبع حصيات ، يكبر كلما رمى بحصاة ، ثم تقدم أمامها ، فوقف مستقبل البيت رافعا يديه يدعو ، وكان يطيل الوقوف ، ثم أتى الجمرة الثانية فرماها بسبع حصيات ، يكبر كلما رمى بحصاة ، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي فيقف عند العقبة ، فيرميها بسبع حصيات ، يكبر كلما رمى بحصاة ، ثم ينصرف ولا يقف عندها . قال الزهري : سمعت سالم بن عبد الله يحدث بهذا عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
3513 - ووجدنا عبيد بن رجال قد حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن [ ص: 133 ] صالح ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، عن أخيه ، عن سليمان بن بلال ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات ، يكبر على إثر كل حصاة ، ثم يتقدم ، فيسهل ، فيقوم مستقبل القبلة قياما طويلا ، فيدعو الله عز وجل ، ويرفع يديه ، ثم يرمي الوسطى كذلك ، فيأخذ ذات الشمال ، فيسهل ، فيقوم مستقبل القبلة قياما طويلا ، فيدعو الله ويرفع يديه ، ثم يرمي الجمرة ذات العقبة من بطن الوادي ، ولا يقف عندها ، ويقول : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل .
3514 - ووجدنا فهدا قد حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن حميد ، وعبد الله بن سعيد الأشج ، قالا : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه ، ثم أتى منى ، فكان بها ليالي منى أيام التشريق يرمي الجمار إذا زالت الشمس ، كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ويقف عند الأولى والثانية ويطيل القيام ويتضرع ، ثم يرمي الثالثة - يعني جمرة العقبة - ولا يقف عندها .
[ ص: 134 ]
3515 - ووجدنا فهدا قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص ، عن أمه قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة بسبع حصيات ، ثم انصرف .
[ ص: 135 ] قال أبو جعفر : فكان في هذه الآثار رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم كل جمرة من هذه الجمار الثلاث من الحصى بعدد معلوم ، كما كان منه الطواف بالبيت في حجته أشواطا معلومة ، وكما كان منه السعي بين الصفا والمروة أشواطا معلومة ، وقال مع ذلك : لتأخذ أمتي مناسكها ; فإني لا أدري لعلي أن لا ألقاكم بعد عامي هذا .
3516 - كما حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا عثمان بن الهيثم ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : حدثني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى على راحلته ، وهو يقول : لتأخذوا مناسككم ; فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه .
[ ص: 136 ] وكان ذلك منه صلى الله عليه وسلم ليتبعوا آثاره ، ويكونوا فيما يفعلونه في حجهم متبعين ممتثلين لأفعاله ، غير خارجين عنها إلى زيادة عليها ، ولا إلى نقصان عنها ، وكما كانت الأشواط التي ذكرنا لا يصلح التجاوز لها ولا التقصير عنها في عددها ، كان مثل ذلك الحصى التي يرمى بها الجمار في الحج في عددها لا يصلح التجاوز لعدها الذي رماها به ، ولا التقصير عنه إلى ما هو دونه ، والله عز وجل نسأله التوفيق .


