[ ص: 453 ] 601 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطواف الواجب على القارن للعمرة والحج ، هل هو طواف واحد أو طوافان ؟
3838 - حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : إذا رجعت إلى مكة ، فإن طوافك لحجك يكفيك لحجك وعمرتك .
قال أبو جعفر : هكذا وجدنا هذا الحديث من رواية عبد الله بن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن عائشة ، وقد وجدناه من رواية غيره عن عطاء ، عن عائشة بخلاف هذه الألفاظ ، وهم عبد الملك بن أبي سليمان ، [ ص: 454 ] وحجاج بن أرطاة ، وحبيب المعلم ، وهو حبيب بن أبي بقية .
3839 - كما حدثنا صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث الأنصاري ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا حجاج ، وأخبرنا عبد الملك ، عن عطاء ، عن عائشة ، أنها قالت : قلت : يا رسول الله ، أكل أهلك يرجع بحجة وعمرة غيري ؟ قال : انفري ، فإنه يكفيك .
قال حجاج في حديثه ، عن عطاء : فألظت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرها أن تخرج إلى التنعيم ، فتهل منه بعمرة ، وبعث معها أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر ، فأهلت منه بعمرة ، ثم قدمت ، فطافت ، وسعت ، وقصرت ، وذبح عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال عبد الملك ، عن عطاء : ذبح عنها بقرة .
3840 - وكما حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، قال : حدثنا الشافعي ، قال : وأخبرني عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، عن حبيب المعلم ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : حدثني جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، [ ص: 455 ] أن عائشة حاضت ، فنسكت المناسك كلها ، غير أنها لم تطف بالبيت ، فلما طهرت ، وأفاضت ، قالت : يا رسول الله ، أتنطلقون بحجة وعمرة ، وأنطلق بالحج ، فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم ، فاعتمرت بعد الحج في ذي الحجة .
قال أبو جعفر : ففي حديث عبد الله بن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن عائشة ما يدل على أنها قد كانت بقيت في حرمة العمرة التي كانت قد أحرمت بها حتى حلت منها ، ومن الحجة التي كانت أحرمت بها في وقت واحد ، وفي ذلك أيضا ما قد دل على أن الطواف الذي كان منها كان للحجة وللعمرة ، كما يكون طواف القارن في حجته وعمرته لهما ، غير أن الحرف الذي في حديث ابن أبي نجيح المضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لها : طوافك لحجتك يكفيك لحجتك ولعمرتك . يبعد في القلوب أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ; لأن الحجة إذا كان لها طواف غير طواف العمرة ، كان لها لا للعمرة ، وإن كان الطواف لهما جميعا لم يجز أن يضاف إلى الحجة دون العمرة ، ولا [ ص: 456 ] إلى العمرة دون الحجة ، والله أعلم بحقيقة الأمر في ذلك . وفي حديث عبد الملك والحجاج ، عن عطاء ، أن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : أكل أهلك يرجع بحجة وعمرة غيري ؟ قال : ففي ذلك ما قد دل أنها لم تكن حينئذ في عمرة ، وإنما كانت في حجة لا عمرة معها ، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من قولها ، ففي ذلك ما قد دل أنها لم تكن حينئذ في عمرة ، فاستحال بذلك أن يكون الطواف الذي كان منها يجزئها لعمرة لم تكن فيها بعد ، فقد وقع الاختلاف على عطاء في هذا الحديث ، عن عائشة على ما ذكرنا ، فتكافأت الروايتان جميعا عنه ، ولم تكن إحداهما أولى من الأخرى إلا بدلالة تدل على ذلك من سواهما .
ثم هذا حبيب المعلم قد روى عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله في قصة عائشة ما يدل على ما روى عبد الملك ، وحجاج ، عن عطاء ، عن عائشة ، ويخالف ما روى ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن عائشة .
ثم رجعنا إلى ما روي في ذلك من غير حديث عطاء لنقف على حقيقة الأمر في ذلك المعنى إن شاء الله .
3841 - فوجدنا يونس قد حدثنا ، قال : أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني الليث بن سعد .
3842 - ووجدنا الربيع بن سليمان المرادي قد حدثنا ، قال : حدثنا شعيب بن الليث ، قال : حدثني الليث بن سعد ( ح ) ، ووجدنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قد حدثنا ، قال : حدثنا أبي ، وشعيب بن الليث ، قالا : أخبرنا الليث ، ثم اجتمعوا جميعا ، فقالوا : عن أبي الزبير [ ص: 457 ] عن جابر قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة ، فوجدها تبكي ، فقال : ما شأنك ؟ قالت : شأني أني حضت ، وقد حل الناس ، ولم أحل ، ولم أطف بالبيت ، والناس يذهبون إلى الحج الآن ، قال : فإن هذا أمر كتبه الله عز وجل على بنات آدم ، فاغتسلي ، ثم أهلي بالحج ، ففعلت ، ووقفت المواقف ، حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة ، ثم قال : قد حللت من حجك وعمرتك جميعا ، فقالت : يا رسول الله ، إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت ، قال : فاذهب يا عبد الرحمن ، فأعمرها من التنعيم ، وذلك ليلة الحصبة .
3843 - ووجدنا محمد بن خزيمة قد حدثنا ، قال : حدثنا عثمان بن الهيثم بن الجهم العبدي المؤذن ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : وأخبرني أبو الزبير ، أن جابر بن عبد الله يقول : ثم ذكر مثله .
[ ص: 458 ] قال أبو جعفر : ففي هذا الأثر أن خروج عائشة كان من عمرتها ومن حجتها معا ، وذلك يشد ما رواه ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عنها في قصتها هذه ، والذي في حديث حبيب المعلم ، عن عطاء ، عن جابر في قصتها يدل على خلاف ذلك ; لأن فيه من خطابها لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتنطلقون بحجة وعمرة ، وأنطلق بالحج ؟ ففي ذلك ما قد دل أنها كانت في حج لا عمرة معه ; لأنها لو كانت في عمرة وحج ، لكانت هي وغيرها في ذلك سواء ، ولما كانوا يفضلونها في ذلك بشيء ، ولا احتاجت إلى عمرة بعد الحج ، وبعد العمرة اللذين كانا منها .
ثم نظرنا في قصة عائشة هذه من غير حديث جابر كيف كانت ؟ فوجدنا الأسود بن يزيد قد روى عنها فيها .
3844 - ما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود بن يزيد ، عن عائشة ، قالت : خرجنا ولا نرى إلا الحج ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة طاف بالبيت ولم يحل ، وكان معه الهدي ، فحاضت هي ، قالت : فقضينا مناسكنا من حجنا ، فلما كانت ليلة الحصبة ليلة النفر قالت : [ ص: 459 ] يا رسول الله ، أيرجع أصحابك كلهم بحج وعمرة وأرجع أنا بحج ؟ قال : أما كنت تطوفت بالبيت ليالي قدمنا ؟ قال : فانطلقي مع أخيك إلى التنعيم فأهلي بعمرة ، ثم موعدك كذا وكذا .
3845 - وما قد حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي ، قال : حدثنا عباس بن الوليد النرسي ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة مثله ، وزاد : ما كنت طفت ليالي قدمنا ؟ قلت : لا .
3846 - وما قد حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، ثم ذكر بإسناده مثله .
3847 - وما قد حدثنا جعفر ، قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، [ ص: 460 ] قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، ثم ذكر نحوه .
قال أبو جعفر : ففي هذا الأثر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة : أما كنت تطوفت ليالي قدمنا ؟ وإخبارها إياه أنها لم تكن طافت ، فوجه ذلك عندنا - والله أعلم - أنها لو كانت طافت ليالي قدموا لكانت العمرة قد تمت لها ، وأنها لما لم تكن طافت حينئذ كانت بخلاف ذلك في أمرها بالاعتمار من التنعيم ، ليكون لها عمرة مع الحجة التي صارت لها ، وفي أمره إياها أن تعتمر ما قد دل على أنها قد كانت خرجت مع العمرة الأولى قبل ذلك ; لأنه لا يجوز عند أهل العلم جميعا أن تدخل عمرة على عمرة ، وإن فاعلا لو فعل ذلك لكان مسيئا ، ثم يختلفون فيما يجب عليه ، فطائفة منهم تقول : لا يلزمه وهو في حكم من لم يحرم بها ، وهو قول محمد بن الحسن ، والشافعي ، وقد روي ذلك [ ص: 461 ] عن عطاء بن أبي رباح ،
حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن ابن جريج ، عن عطاء .
وطائفة منهم تقول : قد لزمته ، فإذا عمل في الأولى صار رافضا لهذه التي أحرم بها وكان عليه لرفضها دم وعمرة مكانها ، وممن قال ذلك أبو حنيفة ،
حدثناه محمد بن العباس ، عن علي بن معبد ، عن محمد بن الحسن ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة .
وطائفة منهم تقول : لما أحرم بها لزمته ، وكان حينئذ رافضا لها ، وعليه دم لرفضها وعمرة مكانها ، وممن قال بذلك : أبو يوسف ،
حدثنا به محمد بن العباس ، عن علي ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، وقد ذكر لنا محمد في روايته هذه ، عن علي ، عن محمد أنه قول محمد أيضا .
وأما قول محمد الأخير الذي ذكرناه قبل هذا ، فإن سليمان بن شعيب الكيساني حدثناه ، عن أبيه ، عن محمد .
ولما كان إدخال العمرة على العمرة غير محمود عند جميعهم استحال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر عائشة بما لا حمد فيه ، فدل ذلك أنها قد كانت خرجت من عمرتها بتركها الطواف لها ليالي قدموا ، إما بتوجهها إلى عرفة مريدة للحج ، كما تقول طائفة من أهل العلم ، منهم : أبو حنيفة في أحد قوليه : إن من أحرم بعمرة وهو في حجة أو كان [ ص: 462 ] في عمرة وحجة فتوجه إلى عرفة ولم يطف لعمرته أنه بذلك رافض لعمرته وعليه لرفضها دم وعمرة مكانها .
حدثنا بذلك من قوله سليمان بن شعيب ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة .
وطائفة تقول : لا يكون رافضا لها حتى يقف بعرفة بعد الزوال ، فيكون حينئذ رافضا لها ، ويكون عليه لرفضها دم وعمرة مكانها ، وهو قول أبي حنيفة الذي يخالف قوله الآخر .
حدثناه من قوله محمد بن العباس ، عن علي ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، عنه .
فكانت عائشة رضي الله عنها رافضة لعمرتها بإحدى أمرين : إما بتوجهها إلى عرفة لحجتها ، أو بوقوفها بعرفة لحجتها ، والله عز وجل أعلم بأي ذلك كان ، فاستحال بذلك إن كانت قارنة ، وثبت أنها كانت مفردة بحجة لا عمرة معها ، إذ كانت قد خرجت من عمرتها قبل ذلك بما خرجت به منه .
فقال قائل : فقد وجدنا في حديث جابر ما يدل أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قارنة ; لأن فيه ذبحه عنها بقرة ، ولا يكون ذلك إلا لذبح عليها فيما كانت فيه وهو قرانها الحج مع العمرة .
3848 - وذكر ما قد حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير ، [ ص: 463 ] أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة بقرة في حجه .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه قد يحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عنها ما ذبح لرفضها للعمرة وخروجها منها قبل تمامها ، كما يقول من قد ذكرناه من أهل العلم في العمرة إذا رفضت قبل تمامها على رافضها دم ، وإذا احتمل الحديث ما ذكرناه لم يكن فيه دليل لك على ما ذكرت ، ثم نظرنا في قصة عائشة عنها هذه من غير رواية الأسود عنها ، فوجدنا عروة بن الزبير قد رواها عنها بما يوجب أيضا خروجها من عمرتها تلك قبل توجهها إلى عرفة وقبل إحرامها بالحج .
3849 - كما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : أخبرنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين هلال ذي [ ص: 464 ] الحجة ، فأردفني في يوم عرفة ، وأنا حائض ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعي عمرتك ، وانقضي شعرك ، وامشطي ، ولبي بالحج . فلما كانت ليلة البطحاء طهرت ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر ، فذهب بها إلى التنعيم ، فلبت بالعمرة قضاء لعمرتها .
3850 - كما حدثنا بكار بن قتيبة ، ومحمد بن خزيمة ، قالا : حدثنا عثمان المؤذن ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني هشام بن عروة ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : كنت ممن أهل بعمرة - يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجته - فحضت ، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمرني أن أنقض رأسي ، وأمتشط ، وأدع عمرتي .
3851 - وكما حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، [ ص: 465 ] عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قدمنا مكة ، وأنا حائض ، فلم أطف بالبيت ، ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : انقضي شعرك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج ، ودعي العمرة . ففعلت ، فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر ، فاعتمرت ، فقال : هذه مكان عمرتك .
[ ص: 466 ]
3852 - كما حدثنا عبيد بن رجال ، قال : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، ومالك ، عن هشام بن عروة ، ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنه لم يقل : فقال : هذه مكان عمرتك .
ففيما روينا ما قد دل على ما ذكرنا من خروجها كانت من العمرة التي كانت فيها قبل دخولها في الحجة التي أحرمت بها ، وفي ذلك ما قد دل على أنها في وقت طوافها كانت في حجة لا عمرة معها .
ثم نظرنا في قصتها أيضا من غير حديث الأسود وعروة كيف كانت ؟ فوجدنا القاسم بن محمد قد روى فيها أيضا ما قد دل على ذلك ، غير أنه خالفهما في شيء من حديثه إذا وقف عليه ، تبين ما هو ، ثم وافقهما في بقيته التي احتجنا إلى أن نأتي به من أجلها .
3853 - كما قد حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نذكر إلا الحج ، فلما جئنا سرف ، طمثت ، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا أبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : لوددت أني لم أحج العام ، [ ص: 467 ] قال : لعلك نفست ؟ قلت : نعم . قال : فإن هذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم ، فافعلي ما يفعل الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت ، فلما جئنا مكة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : اجعلوها عمرة ، فجعل الناس إلا من كان معه الهدي ، فكان الهدي معه ، ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وذي اليسارة ، ثم أهلوا بالحج ، فلما كان يوم النحر طهرت ، فأرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأفضت ، حتى إذا كانت ليلة الحصبة ، قلت : يا رسول الله ، أيرجع الناس بحجة وعمرة ، وأرجع بحجة ؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر ، فأردفني خلفه ، حتى جئنا التنعيم ، فأهللت بعمرة جزاء عمرة الناس التي اعتمروها .
[ ص: 468 ] ففي هذا الأثر ما قد دل على خروجها كانت من العمرة الأولى التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في حجتهم التي كانوا فيها ، وعائشة كانت منهم أن يجعلوها عمرة .
ففي ذلك أيضا ما قد دل أنها لم تكن في وقت طوافها في عمرة مع الحج .
ثم نظرنا هل وافقهم على ذلك أيضا غيرهم ، فوجدنا ابن أبي مليكة قد وافقهم على ذلك .
3854 - كما حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، ثم ذكر مثل حديث بكار وابن خزيمة ، عن عثمان المؤذن ، عن ابن جريج ، عن هشام ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها الذي ذكرناه فيما تقدم منا في هذا الباب .
وفيما ذكرنا ما يدفع ما رواه ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن عائشة في قصتها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمرها أن تنقض به شعرها وهي في حرمة [ ص: 469 ] عمرة ; لأن في ذلك ما يسقط شعرها ، ولا يأمرها أن تمتشط ، لا سيما والأغلب في الامتشاط أنه يكون بالطيب أو بما يمنع من الإحرام سواه ، وفيه ما هو أدل من هذا ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : هذه مكان عمرتك ، أو : هذه قضاء من عمرتك . ولا يكون الشيء مكان الشيء ، ولا قضاء منه ، إلا وقد كان ذلك الشيء معقودا قبله .
ثم رجعنا إلى طلب الحكم في ذلك من غير حديث عائشة ومن غير قصتها التي ذكرنا .
3855 - فوجدنا الربيع المرادي قد حدثنا ، قال : حدثنا شعيب بن الليث ، قال : حدثنا الليث ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير ، فقيل له : إن الناس كائن بينهم قتال ، وإنا نخاف أن يصدوك ، فقال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ، إذن أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة ، ثم خرج حتى إذا كان بظهر البيداء ، قال : ما شأن الحج والعمرة إلا واحد ، إني أشهدكم أني قد أوجبت حجا مع عمرتي ، وأهدى هديا اشتراه بقديد ، فانطلق يهل بهما جميعا ، حتى قدم مكة ، فطاف بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ولم يزد على ذلك ، ولم ينحر ، ولم يحلق ، ولم يقصر ، ولم يحل من شيء حرم عليه حتى كان يوم النحر ، فنحر ، وحلق ، ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول ، وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 470 ] هكذا حدثناه الربيع عن شعيب عن الليث .
3856 - وأما يزيد بن سنان فحدثناه ، قال : حدثني أبو صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني نافع ، فذكر مثله ، وزاد : وقال : كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذان مختلفان ; لأن ما في رواية شعيب من قوله ، وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون من قول نافع ، فيعود إلى الانقطاع ، وما في حديث أبي صالح يخبر أنه من كلام ابن عمر ، فيعيده إلى الإيصال .
فقال قائل : ففي هذا ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما طاف لعمرته ولحجته طوافا واحدا .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن سالما قد رواه عن ابن عمر ما يخبر به ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجته تلك متمتعا لا قارنا .
3857 - كما حدثنا يزيد بن سنان ، وابن أبي داود ، قالا : حدثنا [ ص: 471 ] عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني سالم ، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى ، وساق الهدي من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج .
قال أبو جعفر : فهذا يخبر أن طواف العمرة قد كان قبل طواف الحجة ; لأن التمتع هكذا يفعل ، ولأن إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجة إنما كان بعد ما طاف للحجة التي تحولت عمرة .
3858 - كما حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : دخلنا على جابر بن عبد الله ، فسألته عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس بالعاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج ، فقدم المدينة بشر كثير يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجنا حتى إذا أتينا ذا الحليفة ، أهل بالتوحيد ، [ ص: 472 ] وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ، ولم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا ، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته ، قال جابر : لسنا ننوي إلا الحج ، لسنا نعرف العمرة ، حتى إذا كنا آخر الطواف على المروة ، قال : إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ، وجعلتها عمرة ، فمن كان ليس معه هدي ، فليحل ، وليجعلها عمرة ، فحل الناس ، وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن كان معه الهدي .
ففي ذلك ما قد دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد طاف الطواف الذي عاد إلى العمرة قبل ذلك ، فكانت عمرته صلى الله عليه وسلم قد طاف لها حينئذ ، وعقلنا بذلك أن الطواف الذي طافه بعد أن رجع إلى منى كان طوافا لحجته لا لعمرته ; لأن المتمتع يطوف قبل أن يخرج إلى منى لعمرته أو لعمرته وحجته على ما يختلف في ذلك ، لا طواف لعمرته غير ذلك الطواف ، ثم يكون الطواف الذي يطوفه بعد أن يرجع من منى إنما هو لحجته لا لعمرته ، فاستحال أن يكون ابن عمر يريد بقوله : وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي : كان طاف طوافا واحدا لعمرته وحجته ; لأن ذلك الطواف الذي كان منه إنما كان منه لحجته ; لأن عمرته قد طاف [ ص: 473 ] لها مرة ، وإنما للعمرة طواف واحد ، والحج له طوافان : طواف عند القدوم إلى مكة ، وطواف بعد الرجوع من منى .
فقال هذا القائل : فقد روي عن عائشة ما قد دل على أن القارن يطوف لحجته وعمرته طوافا واحدا لا طوافين ، وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين جمعوا الحج والعمرة كذلك طافوا .
3859 - وذكر ما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فأهللنا بعمرة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا ، فقدمت مكة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : انقضي رأسك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج ، ودعي العمرة ، فلما قضينا الحج ، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم ، فاعتمرت ، فقال : هذه مكان عمرتك ، قالت : فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم ، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا لهما طوافا واحدا .
قال : فهذه عائشة تخبر في هذا الحديث أن الذين جمعوا الحج والعمرة إنما طافوا لهما طوافا واحدا .
[ ص: 474 ] فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه قد روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تمتع في حجته تلك .
3860 - كما حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمتعه بالعمرة إلى الحج ، وتمتع الناس به بمثل الذي أخبرني به سالم بن عبد الله ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني حديثه الذي ذكرناه في ذلك فيما تقدم منا في هذا الباب .
وإذا كان فيها متمتعا كان طوافه لعمرته إنما يكون عند قدومه ، وطوافه الذي يكون منه بعد أن يرجع من منى إنما يكون لحجته دون عمرته ، فاحتمل بذلك أن يكون قول عائشة : فإنما طافوا لهما طوافا واحدا ; أي : طوافا واحدا للإحرام الذي كانوا فيه كان ذلك الطواف للحجة لا للعمرة ، ومما قد حقق أن الطواف للقارن طوافان أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته تلك ، ومذهبه في طواف القارن أنه طوافان .
كما حدثنا يونس ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم أو مالك بن الحارث ، عن أبي نصر ، قال : أهللت بالحج ، فأدركت عليا ، فقلت له : إني [ ص: 475 ] أهللت بالحج ، فأستطيع أن أضيف إليه عمرة ؟ قال : لا ، لو كنت أهللت بالعمرة ، ثم أردت أن تضم إليها الحج ضممته . قال : قلت له : كيف أصنع إذا أردت ذلك ؟ قال : تصب عليك إداوة من ماء ، ثم تحرم بهما جميعا ، وتطوف لكل واحدة منها طوافا .
وكما قد حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرني منصور ، عن مالك بن الحارث ، عن أبي نصر السلمي ، عن علي رضي الله عنه ، مثله .
قال أبو داود : قال قيس : قال منصور : فذكرت ذلك لمجاهد ، [ ص: 476 ] فقال : ما كنت أفتي الناس إلا بطواف واحد ، فأما الآن ، فلا .
وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن سليمان - يعني الأعمش - ، عن إبراهيم بإسناده مثله .
وكما حدثنا محمد ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن مالك ، عن أبي نصر مثله .
قال منصور : فذكرت ذلك لمجاهد ، فقال : ما كنت لأفتي الناس إلا بطواف واحد ، فأما الآن فلا .
وكما حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي ، قال : حدثنا الخصيب ، قال : حدثنا يزيد بن عطاء ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ومالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن أذينة ، قال : سألت عليا رضي الله عنه ، ثم ذكر مثله .
[ ص: 477 ] قال : فعقلنا بذلك أن أبا نصر هذا هو عبد الرحمن بن أذينة ، فاستحال أن يكون علي يأمر بخلاف ما فعلوه مع النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد روي عن ابن مسعود مثل ذلك ، وقد كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجته ،
كما حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا هشيم ، عن منصور بن زاذان ، عن الحكم ، عن زياد بن مالك ، عن علي ، وعبد الله ، قالا : القارن يطوف طوافين ، ويسعى سعيين .
[ ص: 478 ] قال أبو جعفر : وإذا كان لا طواف للعمرة إلا طواف القدوم ، وطواف الحجة للقدوم ليس بالطواف لها بعد الرجوع من منى ; لأن الطواف لها بعد الرجوع من منى هو الفرض ، والطواف للعمرة الذي هو الفرض فيها هو الطواف عند القدوم ، فكان موضعهما مختلفا ، عقلنا بذلك أن من جمع الحج والعمرة قد جمع إحرامين الطواف لكل واحد منهما في وقت غير الوقت الذي يكون فيه الطواف الآخر منهما ، فعقلنا بذلك أنهما طوافان ، لا طواف واحد ، وبالله عز وجل التوفيق .


