[ ص: 347 ] 61 - باب بيان مشكل ما رواه أبو مسعود عقبة بن عمرو عن رسول الله عليه السلام من قوله : { لا يبقى على الأرض بعد مائة سنة نفس منفوسة }
372 - حدثنا فهد ، حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا زهير بن معاوية ، حدثنا مطرف بن طريف ، عن المنهال بن عمرو ، { عن نعيم بن دجاجة قال : كنت جالسا عند علي فجاء أبو مسعود فقال له علي ونهض : يا فريج ، أما إنك تعيي الناس . قال : أما إني أخبرهم أن الآخر فالآخر شر . قال : فحدثنا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في المائة ؟ قال : سمعت رسول الله عليه السلام يقول : لا يكون مائة سنة وعلى الأرض عين تطرف ، قال : أخطأت وأخطأت في أول فتواك ، إنما قال ذلك لمن هو يومئذ ، وهل الرخاء أو الفرج إلا بعد المائة } .
فتأملنا ما في هذا الحديث مما حكاه أبو مسعود عن رسول الله عليه السلام ، فإذا هو ما ذكر عنه فيه أنه لا يكون مائة سنة ، وعلى الأرض عين [ ص: 348 ] تطرف ، فكان ظاهر ذلك أنه لا يبقى بعد المائة سنة عين تطرف على فناء الناس جميعا ، وفي فنائهم ذهاب الدنيا .
ووجدنا فيه من كلام علي أن رسول الله عليه السلام إنما كان قصد بكلامه ذلك لمن هو يومئذ على الأرض من الناس ، لا لمن سواهم ، وإتباعه ذلك من قول نفسه ، وهل يكون الرخاء أو الفرج إلا بعد المائة .
فكان في ذلك وقوفه على ما لم يقف عليه أبو مسعود ، مما كان رسول الله عليه السلام قاله ، وكان في ذلك دليل أن الذي كان من النبي عليه السلام هو فناء ذلك القرن بغير نفي منه أن يخلفهم قرون بعضها بعد بعض إلى يوم القيامة .
ثم وجدنا عن ابن عمر ، عن النبي عليه السلام موافقة علي فيما حكاه من مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم مما حكاه أبو مسعود عنه .
373 - كما حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا نوح بن حبيب القومسي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، حدثني سالم ، وأبو بكر بن سليمان ، عن ابن عمر قال : { صلى بنا رسول الله عليه السلام ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته ، فلما سلم قال : أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحدهم } .
374 - وكما حدثنا الحسن بن غليب ، حدثنا سعيد بن كثير بن [ ص: 349 ] عفير حدثني الليث بن سعد ، حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، وابن سليمان بن أبي حثمة : أن عبد الله بن عمر قال : { صلى لنا رسول الله عليه السلام صلاة العشاء ، ثم ذكر مثله } .
ووجدنا عن جابر أيضا ما يدل على ذلك :
375 - كما قد حدثنا أبو أمية ، حدثنا زكريا بن عدي ، أخبرنا حفص بن غياث ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر قال : { قال رجل : يا رسول الله ، متى الساعة ؟ قال : وما سؤالك عن الساعة ، ما من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة } .
376 - وكما قد حدثنا فهد ، حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما على الأرض من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة .
قال سليمان : أراهم ذكروا عنده الساعة } .
[ ص: 350 ] ووجدنا عن أنس أيضا هذا المعنى .
377 - كما حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، حدثنا علي بن معبد العبدي ، حدثنا أبو مليح الحسن بن عمر الفزاري ، عن الزهري ، عن أنس قال : { صلى بنا رسول الله عليه السلام ، ثم اتكأ على غلام فقال : رأس مائة سنة لا يبقى أحد ممن هو على ظهر الأرض اليوم حي } .
فقد اتفقت الروايات اللاتي ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وائتلفت بأن مراده كان فيما رواه عنه أبو مسعود ، مما ذكرنا معنى موهوما صحيحا ، لا معنى ما ظنه الجاهلون مما قد دفعه العيان ، ولا مما يوهم من توهم من إغفال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما كان قاله في ذلك ؛ لأن نقلهم عنه نقل الجماعة ، ونقل الجماعة بريء من ذلك ، وإنما يكون مثل هذا إذا كان في نقل الآحاد .
فإن قال قائل : فقد كان في باقي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مخضرمون ممن كان في الجاهلية ، وبقي في الإسلام حتى جاوز هذه المدة منهم : أبو عثمان النهدي ، فقد روي في سنه .
ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن حميد الطويل قال : سمعت أبا عثمان يقول : أتت علي [ ص: 351 ] ثلاثون ومائة سنة ، ما من شيء إلا نقص سوى أملي .
وله في ذلك أمثال كزر بن حبيش ، وسويد بن غفلة .
كما قد حدثنا أبو أمية ، حدثنا الخضر بن محمد بن شجاع ، حدثنا هشيم قال : توفي زر ، وهو ابن اثنتين وعشرين ومائة ، وتوفي سويد بن غفلة ، وهو ابن سبع وعشرين ومائة سنة . قال هشيم : وبلغني أن أبا عثمان النهدي توفي وهو ابن أربعين ومائة سنة .
فالجواب له في ذلك أن يكون ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ذكره عنه علي وابن عمر ، وجابر ، وأنس ، وأبو مسعود قد يحتمل أن يكون أراد به ممن كان اتبعه لا ممن سواهم ، والله أعلم ما أراد من ذلك ، غير أنه قد يحتمل أن يكون وفاة هؤلاء المعمرين في المائة سنة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خروجها ، وهو أولى ما حملت عليه هذا المعنى إن شاء الله ، والله أعلم .


