[ ص: 426 ] 708 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزيادات في أثمان الأشياء المبيعات : هل تلحق بالأثمان التي عقدت تلك البياعات عليها أم لا ؟
قال أبو جعفر : قد ذكرنا فيما تقدم منا في كتابنا هذا حديث جابر بن عبد الله في بيعه جمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقباله إلى المدينة ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا لما قدم المدينة أن يدفع إليه ثمنه ، وأن يزيده قيراطا ، فقلت : لا تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا ، فكان في كيسي حتى أخذه أهل الشام يوم الحرة ، وكان إسناده الذي ذكرناه به
4534 - أن يزيد بن سنان حدثناه قال : حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر بن عبد الله ، وأعدنا ذكر إسناده هاهنا ، لأنا بعد أن ذكرنا أنا قد كنا جئنا به فيما تقدم منا في كتابنا هذا ظننا أنا لم نكن جئنا به ، فأعدنا إسناده احتياطا ، ففي حديث جابر الذي ذكرناه زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه بعد البيع الذي كان بينهما في ثمن البعير الذي كان ابتاعه منه به ، وفي [ ص: 427 ] ذلك دليل على أن الزيادة قد لحقت بذلك الثمن ، فصارت منه ، وصارت كمن عقد البيع به مع ما سواه مما عقد البيع به ، وكان محالا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ملك جابرا ما ملكه إياه بمعنى ، ولا يملكه بذلك المعنى ، ويملكه بغيره ، كما يقول من يقول : إن الزيادة في الثمن هبة من الذي يزيدها للذي يزيدها إياه ، وممن كان يقول ذلك مالك وزفر ، لأن الأشياء إنما تملك من حيث ملكت لا مما سواها ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الزيادة في غير البياعات
4535 - ما حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب ، عن إياس بن سلمة بن الأكوع ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أيما رجل شارط امرأة ، فعشرتهما ثلاث ليال ، فإن أحبا أن يتناقضا تناقضا ، وإن أحبا أن يزيدا في الأجل زادا . قال سلمة : لا أدري ، أكانت لنا خاصة ؟ أم للناس عامة . ؟
[ ص: 428 ]
4536 - وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا أبو عاصم ، عن ابن أبي ذئب ، عن إياس بن سلمة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما رجل وامرأة تمتعا ، فعشرتهما بينهما ثلاث ليال ، فإن أحبا أن يزدادا ازدادا .
وكان في هذا الحديث في الوقت الذي كانت المتعة طلقا ، وكانت حلالا أنها إذا عقدت على وقت بعينه ، فانعقدت عليه ، ثم أحب متعاقداها أن يزيدا في ذلك الوقت مدة أحباها ، وذكرا مقدارها أن تلك الزيادة لاحقة بالمدة الأولى ، وأن حكم المدة الثانية في ذلك حكم المدة الأولى ، فمثل ذلك أيضا البيع إذا وقع على شيء بعينه بثمن بعينه ، ثم أراد واحد من متعاقديه زيادة صاحبه فيما ملكه إياه فيه شيئا ، [ ص: 429 ] فزاده إياه ، وقبله منه أن تلك الزيادة لاحقة به ، وداخلة في حكمه ، وقد روينا حديث جابر الذي قد رويناه في هذا الباب في تثبيت هذا المعنى .
4537 - وقد حدثنا أبو أمية في مثله قال : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى منه بعيرا بأوقية من ذهب ، فأمر بلالا فوزن له ، وزاده قيراطا .
وقد روي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في استعمالهم في الزيادات في البياعات بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق هذا المعنى ، فمن ذلك ما قد حدثنا عبيد بن رجال ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب قال : قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ورضي عنهم : وددنا لو أن عثمان وعبد الرحمن تبايعا حتى ننظر أيهما أعظم جدا في التجارة ، فاشترى عبد الرحمن من عثمان فرسا بأرض له أخرى بأربعين ألف درهم ، أو نحو ذلك - شك عبد الرزاق في العدد - إن أدركتها الصفقة وهي سالمة ، ثم أجاز قليلا ، فرجع ، فقال : أزيدك ستة آلاف إن وجدها رسولي سالمة ، قال : نعم ، فوجدها رسول عبد الرحمن قد ماتت ، قال : فخرج منها بالشرط الآخر ، فقال رجل للزهري : فإن لم يشترط ؟ قال : فهي [ ص: 430 ] من مال البائع .
فكان في هذا الحديث ما قد دل عليه مما قاله الزهري في آخره : أن البيع لو مضى على العقد الأول كان موت الفرس من مال مبتاعها وهو عبد الرحمن ، ثم زاد عبد الرحمن عثمان في ثمنها زيادة زاده بها عثمان شرطا أوجب له إن ماتت قبل وصول رسوله إليها ماتت من مال عثمان وهو بائعها ، ففي ذلك ما قد دل على إلحاق الزيادات في العقود ، وقد كان ذلك من عثمان وعبد الرحمن بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يتمنون أن يتبايعا ليقفوا على أيهما أعظم جدا في التجارة ، فلم ينكروا ما كان منهما عليهما ، ولم يخالفوهما في ذلك ، فدل ذلك على متابعتهم إياهما عليه .
ومن ذلك ما قد حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا الأجلح الكندي ، عن عبد الله بن أبي الهذيل قال : رأيت عمار بن ياسر خرج من القصر ، فاشترى قتا بدرهم ، فاستزاد صاحب القت حبلا ، فنازعه حتى أخذ هذا قطعة منه ، وهذا قطعة منه ، ثم احتمله على عاتقه حتى دخل القصر .
قال أبو جعفر : وهذا كان من عمار وهو أمير ، لأنه لم يسكن القصر الذي كان الأمراء يسكنونه إلا وهو أمير ، وقد حقق ذلك .
[ ص: 431 ] ما قد حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا ابن المبارك ، أخبرنا سفيان ، عن أبي سنان والأجلح ، عن ابن أبي الهذيل قال : رأيت عمار بن ياسر خرج وهو أمير ، فاشترى قتا ، فاستزاده حبلا ، فجعل هذا يمد ، وهذا يمد ، فقال أبو سنان : فلا أدري أيهما غلب ؟ وقال الأجلح : فاقتسماه نصفين .
ففي هذا الحديث أن عمارا - وهو أمير لا تصلح له الهدية ، ولا يصلح له قبول هبة من أحد - استزاد بائعه ذلك القت ، وذلك لا يكون منه إلا لأنه يلحق البيع ، فيكون منه بحصته من ثمنه ، كهو لو وقع البيع عليه مع ما وقع عليه سواه ، وفي ذلك ما قد دل على القول الذي أخبرناه فيما تقدم منا في هذا الباب فيما قيل فيه ، وهذه الزيادات عندنا إنما تلحق بما زيدت فيه بعد أن يكون الذي زيدت فيه في الحال الذي استؤنف البيع فيه عليها جاز ، فأما إن كان قد دخله ما يمنع من ذلك كموت المبيع ، أو كعتاق مبتاعه إياه ، أو كخروجه من ملكه إلى ملك من سواه ، فإن تلك الزيادات إن كانت ، كانت بخلاف هذا المعنى ، ولم تلحق بذلك العقد الذي قد زيدت فيه . وهو الموفق ، وهو المستعان .


