5478 - حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا حبان بن هلال ، حدثنا أبو عوانة ، وحدثنا أبو أمية ، حدثنا المعلى بن منصور الرازي ، حدثنا أبو عوانة . وحدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا سهل بن بكار ، حدثنا أبو عوانة ، ثم قال : كل واحد منهم في حديثه عن عاصم ، عن شقيق ، عن عبد الله قال : كل معروف صدقة ، كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم القدر والدلو وأشباه ذلك .
[ ص: 87 ] قال أبو جعفر : وهذا مما يدخله أهل الإسناد في الأحاديث المسندات عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد روي عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المراد بما في هذه الآية ما هو مما يوافق هذا القول ومما يخالفه آثار ، فمما روي في ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
ما قد حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، وعيسى بن إبراهيم الغافقي قالا : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله عز وجل : الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون قال : يراؤون بصلاتهم ، ويمنعون زكاة أموالهم [ ص: 88 ] ، ومما روي عن عبد الله بن مسعود مما لم يذكر فيه ما كانوا يقولونه في ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ما قد حدثنا عيسى ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن ابن مسعود ، قال : هو عارية المتاع : القدر ، والفأس ، والدلو . [ ص: 89 ]
وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا أبو عامر العقدي ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن يحيى بن الجزار ، قال : كان رجل من بني نمير - يكنى أبا العبيدين - ضرير البصر ، يسأل عبد الله ، وكان عبد الله يعرف له ، فسأله عن الماعون ، فقال : منع الفأس ، والقدر ، والدلو . [ ص: 90 ]
ومما روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه ما قد حدثنا عيسى ، حدثنا سفيان ، عن عبيد الله - يعني ابن أبي يزيد - ، سمع ابن عباس ، يقول : هو عارية المتاع .
[ ص: 91 ]
وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أنه قال في الماعون : ما تعاطاه الناس ، وقال علي : الزكاة .
وما قد حدثنا إبراهيم ، حدثنا أبو داود ، أخبرنا شعبة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، أنه قال : الماعون منع الفأس ، وما يتعاون الناس بينهم .
وما قد حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا الفريابي ، حدثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : الماعون العارية . [ ص: 92 ] قال أبو جعفر : فاتفق عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس في المراد عندهما بتأويل هذه الآية ، ما هو ؟ وأنه الذي قد ذكرناه عنهما بتأويل هذه الآية في أحاديثهما هذه .
ومما روي عن عبد الله بن عمر ما حدثنا عيسى بن إبراهيم ، حدثنا سفيان ، عن سعيد بن عبيد الطائي ، عن ابن عمر قال : هو الزكاة . فكان ما روي في ذلك عن ابن عمر موافقا لما روي فيه عن علي ، وما قد روي عن أم عطية مما يدل على أن المراد به كان عندهما في ذلك ،
وهو ما قد حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، حدثنا مسدد بن مسرهد ، حدثنا يحيى - وهو ابن سعيد - ، حدثنا جابر بن الصبح ، حدثتني أم شراحيل ، قالت : [ ص: 93 ] قالت لي أم عطية : اذهبي إلى فلانة ، فأقرئيها السلام ، وقولي : إن أم عطية توصيك بتقوى الله عز وجل ، فلا تمنعي الماعون . قالت : يا سيدتي وما الماعون ؟ قالت : أهبلت ! هي المهنة يتعاطاها الناس بينهم .
قال أبو جعفر : فاتفق هذا المعنى من أم عطية لما ذهب إليه في [ ص: 94 ] ذلك ابن مسعود ، وابن عباس جميعا .
قال أبو جعفر : فتأملنا هذه الآية ، فوجدنا المذكورين فيها قد وعدوا بالويل ، فكانوا كالمتوعدين به في سورة الجاثية بقوله عز وجل : ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ، إلى قوله : فبشره بعذاب أليم . وكالمتوعدين به في سورة ( حم ) السجدة بقوله عز وجل : وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون ، وكالمتوعدين به في سورة الزخرف بقوله عز وجل : فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم ، وكالمتوعدين به في سورة الطور بقوله عز وجل : فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ، فكان في هذه الآيات المتوعدين بالويل هم أهل النار ، فقوي بذلك في القلوب أن يكون المتوعدون به في سورة ( أرأيت ) هم هم أيضا ، وكان فيما وصف الله تعالى إياهم بالسهو عن صلاتهم ، فكان ذلك دليلا على نفاقهم وعلى تركهم إياها إذا خلوا كالمتساهين عنها ، ومن كان كذلك ، كان منافقا ، وكان حيث ذكر الله من المكان الذي يكون فيه المنافقون بقوله : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ومن كان كذلك كانت زكاة الأموال غير ملتمسة منه ، لأن الله تعالى إنما جعلها تطهيرا لمن تؤخذ منه بقوله : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم ، والمنافقون لو أخذت [ ص: 95 ] منهم لم تطهرهم ولم تزكهم ، ثم قال جل وعز : " وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم " ، فكان صلى الله عليه وسلم إذا جاءه المؤمنون بزكواتهم يصلي عليهم ، كما قد ذكرناه عنه صلى الله عليه وسلم فيما تقدم منا في كتابنا هذا عن ابن أبي أوفى ، قال : بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصدقته ، فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى . وهو صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي على المنافقين . وكان فيما ذكرنا : أن تأويل هذه الآية بما قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وعبد الله بن عباس من تأويلهما إياها عليه أولى مما تأولها عليه من سواهما ممن ذكرناه في هذا الباب ، وبالله التوفيق . وقد كان أهل اللغة يتأولونها عليه.
كما قد حدثنا ولاد النحوي ، حدثنا المصادري ، عن أبي عبيدة : ويمنعون الماعون في الجاهلية : كل منفعة وعطية ، وفي الإسلام الطاعة والزكاة . قال هميان بن قحافة : لا يحرم الماعون منه .
قال أبو عبيدة : وسمعت رجلا يقول : لو قد نزلنا ، لقد صنعت [ ص: 96 ] بناقتك صنيعا تعطيك الماعون ، أي : تنقاد لك . وكما ذكره الفراء في كتابه في معاني القرآن قال : سمعت بعض العرب ، يقول : الماعون : هو الماء ، وأنشدني فيه :
يمج صبيره الماعون صبا
والذي ذكرناه قبل هذا عن أهل العلم بالفقه والآثار في هذا الباب أولى ، وبالله التوفيق .


