[ ص: 485 ] 928 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله للنفر الذين كان فيهم سمرة : آخركم موتا في النار .
5776 - حدثنا أبو أمية ، حدثنا محمد بن يحيى البصري التمار ، حدثنا معاذ بن معاذ ، حدثنا شعبة ، عن أبي مسلمة ، عن أبي نضرة ، عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعشرة من أصحابه فيهم سمرة : آخركم موتا في النار .
[ ص: 486 ]
5777 - حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا أبو هلال الراسبي ، حدثنا جابر بن عمرو أبو الوازع ، عن أبي أمين ، عن أبي هريرة قال : كنت أنا وعبد الله بن عمر وسمرة فانطلقنا نطلب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقيل : توجه نحو مسجد التقوى فأتيناه ، فإذا هو قد أقبل واضعا يده على منكب أبي بكر رضي الله عنه ، والأخرى على كاهل عمر رضي الله عنه ، فلما رأيناه جلسنا فقال : من هؤلاء ؟ فقال له أبو بكر : هذا أبو هريرة ، وعبد الله بن عمر ، ثم سمرة .
5778 - وحدثنا أبو أمية قال : حدثنا الأسود بن عامر ، وحدثنا أبو هلال الراسبي ، عن جابر أبي الوازع ، عن أمين - هكذا في كتاب أبي جعفر القائل عن أبي أمية ، ومن أصحابنا من يقول : عن أبي أمين - عن أبي هريرة رضي الله عنه ، ثم ذكر مثله .
[ ص: 487 ]
5779 - وحدثنا أبو أمية ، حدثنا فهد بن عوف ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أوس بن خالد قال : كنت إذا قدمت على أبي محذورة سألني عن سمرة ، وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي محذورة ، فقلت لأبي محذورة : إنك تسأل عنه ، ويسأل عنك ؟!
قال : كنت أنا وأبو هريرة وسمرة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذ بعضادتي الباب فقال : آخركم موتا في النار ، فمات أبو هريرة ، ثم مات أبو محذورة ، ثم مات سمرة .
5780 - وحدثنا أبو أمية ، حدثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني ، حدثنا شريك ، عن عبيد الله بن سعيد [ ص: 488 ] عن رجل يقال له : حجر ، قال : قدمت المدينة على أبي محذورة فقال : ممن أنت ؟ فقلت : من أهل البصرة ، قال : ما فعل سمرة بن جندب ؟ قلت : هو حي ، قال : ما على الأرض أحد أحب إلي أطول حياة منه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي وله : آخركم موتا في النار .
وحدثنا مرة أخرى فقال : قال لي ولحذيفة وله : آخركم موتا في النار . قال أبو جعفر : وذكر البخاري عبيد الله بن سعيد صاحب هذا الحديث برواية شريك عنه ولم يذكره بغير ذلك .
فتأملنا هذه الآثار : لطلب الوقوف على المراد بها ، فوجدنا قوله صلى الله عليه وسلم ما قد ذكر عنه فيها لمن قال له مما قد ذكر فيها محتملا أن يكون أراد بالنار التي ذكرها نار الدنيا ، فيكون ذلك فضيلة للذي وقع ذلك القول عليه من أصحابه ، لأنه يكون بذلك من الجنس الذي قد أخبر صلى الله عليه وسلم عليه أنهم من شهداء أمته ، على ما ذكرناه عنه فيما تقدم منا في كتابنا هذا ، واحتمل أن يكون على نار الآخرة فيكون ذلك عقوبة [ ص: 489 ] للذي وقع ذلك القول عليه مما كان منه في الدنيا ، ثم رد الله أمره إلى ما يرد إليه أمور الموحدين من عباده ممن يدخله النار ، ولهذا اهتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم الذين كان خاطبهم بذلك القول حين كان بعضهم يسأل عن حياة من سواه منهم وعن موته ، ليعلم بما يقف عليه من حقيقة ذلك سلامته من ذلك المعنى أو وقوعه به ، فلما كان آخرهم موتا سمرة علم أنه المقصود بما في تلك الآثار إليه ، كان موته في النار لا أنه من أهل النار .
كما حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا مروان بن جعفر ، حدثنا داود بن المحبر البكراوي ، عن زياد بن عبيد الله بن الربيع الزيادي قال : قلنا لمحمد بن سيرين : يا أبا بكر : أخبرنا عن سمرة ، وما الذي كان من أمره ، وما قيل فيه ؟ فقال : إن سمرة كان أصابه كزاز شديد فكان لا يكاد يدفأ فأتي بقدر عظيمة ، فملئت ماء وأوقد تحتها ، واتخذ هو فوقها مجلسا فكان يصعد إليه فيجد حرارتها فتدفئه ، فبينما هو كذلك إذ خسف به فنظر أن ذلك هو ذاك ، وهذا الحديث فمستفيض في أيدي الناس في سمرة .
[ ص: 490 ] فعقلنا بذلك أن النار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عناها في الآثار المروية عنه فيها كانت من نيران الدنيا لا من نيران الآخرة ، فعاد ما في هذه الآثار مما عاد إلى سمرة فضيلة يستحقها في الآخرة ، وكان هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سمرة مثل الذي كان منه في أزواجه من قوله : أسرعكن بي لحاقا أطولكن يدا ، قالت : فكنا - تعني أزواج النبي صلى الله عليه وسلم - نتطاول بأيدينا على الجدار ، فلما توفيت زينب ابنة جحش ، وكانت امرأة قصيرة ، وكانت صناعا تضع ما تخرجه في سبيل الله ، فعلمنا بذلك أنها كانت أطولنا يدا بالخير ، وكان ذلك إنما بان لهن بعد موتها ، فمثل ذلك ما كان من أمر سمرة إنما بان للناس بعد موته ، وبالله التوفيق .


