[ ص: 235 ] 967 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يقضى بين المختلفين من أهل العلم في الارتزاق على القضاء مما يبيحه بعضهم ، ومما يمنع منه غيرهم منه .
قال أبو جعفر : لا نعلم أحدا من المتقدمين روي عنه النهي عن ذلك إلا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من جهة قد روي عنه من خلافها خلاف ذلك .
كما حدثنا فهد ، حدثنا أبو غسان ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه .
أن عمر - رضي الله عنه - قال : لا تأخذ على شيء من حكومة المسلمين أجرا .
وكان الذي روي عنه مما يخالف ذلك من الجهة الأخرى .
5978 - كما قد حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن بسر بن سعيد [ ص: 236 ] عن ابن الساعدي هكذا قال : قال : استعملني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على الصدقة ، فلما أديتها إليه أعطاني عمالتي ، فقلت : إنما عملت لله عز وجل ، وأجري على الله عز وجل قال : خذ ما أعطيتك إني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعملني ، فقلت مثل قولك ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أعطيتك شيئا من غير أن تسأل فكل وتصدق .
5979 - وما حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا شعيب بن الليث بن سعد ، حدثنا الليث ، عن بكير بن عبد الله ، عن بسر بن سعيد ، عن ابن الساعدي المالكي أنه قال : استعملني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على الصدقة ، ثم ذكر مثله حرفا حرفا .
[ ص: 237 ]
5980 - وما قد حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا ليث بن سعد ، عن بكير ، عن بسر بن سعيد ، عن ابن السعدي ، ثم ذكر مثله .
هكذا كان الليث حدث بهذا الحديث بالعراق ، فقال فيه : عن ابن السعدي ، وكان قبل ذلك بمصر يقول فيه : عن ابن الساعدي ، فكان في هذا عن عمر خلاف ما عنه في الحديث الأول ، وكان الصواب - فيما اختلف فيه عن الليث من ابن السعدي ، أو الساعدي - ابن السعدي ، والسعدي : هو رجل من بني عامر بن لؤي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واسمه عبد الله بن وقدان ، وقيل : السعدي لأنه استرضع فيهم .
وقد ذكرنا ما روي عنه مما ذكر فيه اسمه ونسبه هذان فيما تقدم منا في كتابنا هذا في - باب الهجرة : هل انقطعت أو لا تنقطع ما قوتل الكفار ؟
[ ص: 238 ]
5981 - وحدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع البهراني ، أخبرنا شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، حدثني السائب بن يزيد أن حويطب بن عبد العزى أخبره : أن عبد الله بن السعدي أخبره أنه قدم على عمر بن الخطاب في خلافته ، فقال له عمر : ألم أحدث أنك تلي من أعمال المسلمين أعمالا ، فإذا أعطيت العمالة كرهتها ؟ فقال : نعم . فقال : فما تريد إلى ذلك ؟ قلت : إن لي أفراسا ، وأعبدا ، وأنا أتجر ، وأنا أريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين ، فقال عمر : لا تفعل ، فإني كنت أردت الذي أردت ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء ، فأقول : أعطه من هو أفقر إليه مني . حتى أعطاني مرة ، فقلت له ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : خذه فتموله ، فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه ، وإلا فلا تتبعه نفسك .
[ ص: 239 ] وفيما ذكرنا من هذا الحديث في أمر عبد الله المختلف فيما نسب إليه من الروايات فيه عن الليث ما قد دل أن الصواب منها في ذلك أنه ابن السعدي ، لا ابن الساعدي .
5982 - وحدثنا محمد بن عزيز الأيلي ، حدثنا سلامة بن روح ، عن عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، حدثني السائب بن يزيد ابن أخت نمر : أن حويطب بن عبد العزى أخبره : أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، أخبره أنه قدم على عمر بن الخطاب في خلافته ، ثم ذكر مثله ، إلا أنه قال : خذه فتقرب به ، وتصدق .
[ ص: 240 ] فكان في هذا الحديث مكان عبد الله بن السعدي عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، والناس على خلافه في هذا الإسناد .
فممن خالفه عمرو بن الحارث .
5983 - كما حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - العطاء ، فيقول له عمر : أعطه يا رسول الله من هو أفقر إليه مني ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذه فتمول أو تصدق به ، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف - هكذا قال : أعني يونس - ولا سائل فخذه ، وما لا فلا تتبعه نفسك . قال سالم : فمن أجل ذلك كان ابن عمر لا يسأل أحدا شيئا ، ولا يرد شيئا أعطيه .
[ ص: 241 ]
5984 - وكما حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب قال : قال عمرو : حدثني ابن شهاب مثل ذلك ، عن السائب بن يزيد ، عن حويطب بن عبد العزى ، عن عبد الله بن السعدي ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
غير أنا قد وجدنا لما رواه سلامة ، عن عقيل ، عن ابن شهاب في هذا الحديث من ما خالف الناس فيه موافقا له على ذلك .
5985 - كما حدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري ، حدثنا أبي ، عن الدراوردي ، عن محمد بن عبد الله بن مسلم بن شهاب ، عن محمد ، ثم ذكر مثل حديث محمد بن عزيز ، عن سلامة سواء ، وقال فيه : إن عبد الله بن سعد بن أبي سرح مكان ما قال غيره : إن عبد الله [ ص: 242 ] بن السعدي ، فكان فيما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في هذا الفصل الثاني خلاف ما روي عنه في الفصل الأول .
فتأملنا الوجه في هذا الاختلاف ، وكان أولى القولين فيه ما روي في الفصل الثاني من إباحة الاجتعال على مثله على القضاء ; لأنا قد وجدنا في كتاب الله عز وجل ما قد دلنا على إباحة الاجتعال على مثله ، وهو الاجتعال على الصدقة للعاملين عليها منها ، لقيامهم بها ، وتحصيلها لأهلها ، وإن كان العاملون عليها ليسوا من أهلها لغناهم وتحريمها عليهم بذلك ، وهو قوله عز وجل : إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها ، وكان مثل ذلك أيضا الاجتعال على ولاة أمصار المسلمين لحفظها عليهم ، وللقتال من ورائهم ، ولدفع من حاول البغي عليهم فيها ، فكان طلقا للولاة عليها الاجتعال من أموال المسلمين التي يجتعل ذلك منها ، وكذلك أيضا الجعل لجندهم الذي لا يقوم ولا ينهض إلا بهم من تلك الأموال أيضا ، وكذلك ولاة خراج المسلمين في جمعه وتحصيله وحفظه على الوجوه التي يجب صرفه فيها جائز لمن تولى ذلك الاجتعال مما يتولاه على ما يتولاه منها ، وإذا كان ذلك كذلك كان من يتولى حكومات المسلمين التي يأخذ بها من أبدانهم ما يجب لله تعالى فيها ، ويأخذ من أموالهم ما يجب لله تعالى فيها ، ويأخذ من بعضهم لبعض ما يجب له عليه في بدنه وفي ماله ، ويمنع بولايته ذلك من يحاول غير الواجب فيه ، فجائز له أيضا الاجتعال على ذلك من أموال المسلمين التي تجتعل منها على مثل ذلك ما يجعله عليه .


